بعد رسم ملامح الحرب ضد «داعش»
نضال بيطاري وبسام بربندي
شكل ملف الأكراد في سوريا نقطة خلاف كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وتركيا. فخلال فترة حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما شكل الاعتماد على القوى الكردية المحدد الأساسي الذي رسم ملامح الحرب الأميركية ضد تنظيم داعش. وقد شكل هذا الاعتمام فيما بعد العامل الأساسي للخلاف مع الحكومة التركية التي رفضت أن تكون قوات سوريا الديمقراطية (قسد) رأس الحربة في تحرير مدينة الرقة السورية. ويبدو أن تركيا فقدت تماما الثقة بالسياسة الأميركية بعد أن رفض قسد التراجع من منبج إلى شرقي نهر الفرات كما وعد الرئيس أوباما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لم تتغير السياسة الأميركية تجاه الأكراد في سوريا كثيرا بعد تولي إدارة الرئيس ترامب الحكم في مطلع هذا العام، إذ أن الرئيس المنتخب كان واضحا خلال حملته الانتخابية، بأن سياسته في الحرب ضد الإرهاب وداعش سيكون عمادها الأكراد وقواتهم التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية.
في الوقت نفسه، يتضح أن تركيا تستطيع أن تخلخل دعائم أي حل في منطقة الجزيرة السورية لا يتوافق مع ما تراه تركيا تهديداً لأمنها القومي، إذ تمتلك تركيا في مدن الجزيرة السورية حلفاء أقوياء بخلفيات أيديولوجية ورؤى مستقبلية لا تتقاطع مع طموحات حزب الاتحاد الديمقراطي بإنشاء «كردستان سوريا»، وأن هذا الخلاف قد يتطور في أي مرحلة إلى اختلاف نتيجته اشتباكات كردية – كردية قد تمزق النسيج الكردي في سوريا.
ويبدو واضحاً من ردود الأفعال التركية تجاه الدعم الأميركي للقوات الكردية في سوريا أن تركيا مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود للدفاع عما تعتقد بأنه يهدد أمنها القومي والمتمثل باحتمال قيام شكل من أشكال الحكم في منطقة كردية تمتد على طول الحدود السورية التركية. ويرجع تخوف تركيا إلى تجربتها الطويلة في محاربة حزب العمال الكردستاني الذي دعمه حافظ الأسد كحزب كردى ماركسي ضد تركيا واستضاف قادته في سورية ولبنان وفتح لهم مراكز تدريب عسكرية لشن هجمات إرهابية ضد تركيا منذ ٣٠ عاما. وتجدر الإشارة إلى أن حزب العمال الكردستاني الأن قد أصبح مدرجا على قوائم المنظمات الإرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي.
حاولت الولايات المتحدة مراراً حل أزمة التدخل الكردي من خلال إيجاد حلفاء عرب سنة لتضمينهم في الحرب ضد «داعش»، إلا أن أدوات ووسائل الاختيار التي اتبعتها الإدارة الأمريكية لم تلائم التطلعات التركية التي تحتفظ لنفسها بتحالفات قوية مع قوى عربية في منطقة الجزيرة السورية، وبنت الحكومة التركية نظاماً في الحوكمة حاولت جعله نموذجاً للتجربة التركية في جرابلس كمقاربة لما تتطلع له الحكومة التركية من الولايات المتحدة الأميركية.
يبدو جلياً، أنه لا يمكن تجاهل المصالح التركية في سوريا ولا تجاهل معاييرها في أمنها القومي، بنفس الدرجة التي لا تستطيع فيها تركيا تجاهل الدور الأميركي في المنطقة والمعايير الأميركية في تحديد مصالحها وما يهدد أمنها القومي فيما وراء البحار، وبأن عدم التنسيق التركي الأميركي من شأنه أن يضر بمصالح البلدين معاً.
وبالتالي يبدو أن الحل الوحيد هو قيام الولايات المتحدة بالضغط على الأحزاب الكردية السورية لفك ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني حيث أثبتت تجربة القرى التي انسحبت منها قوات “قسد» أن الولايات المتحدة لديها القدرة للضغط على القوات الكردية. وبنفس الوقت على حزب الاتحاد الديمقراطي أن يقوم بخطوات بناء ثقة مع المجتمع الكردي والعربي ومع الحكومة التركية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إطلاق سراح القيادات الكردية التي اعتقلها والسماح لقوات البشمركة السورية بالعودة إلى الجزيرة والعمل معها ضد داعش وتوثيق الصلة مع الجيش الحر بالمناطق القريبة من عفرين والرقة لمحاربة داعش والنصرة وطرد كل القادة الأجانب من جهازه العسكري وتفكيك آلياتهم العسكرية.
ويبدو أن المجلس الوطني الكردي، ومن خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، قد أصبح مدركاً للدور التركي ولصعوبة تخطي هذا الدور في حال تعارض المشروع الكردي مع المصالح التركية، بالدرجة نفسها، يبدو أن الحكومة التركية لا تعارض قيام إقليم كردي في سوريا في حال كان هذا الإقليم لا يعادي الدولة التركية. وهذا يعنى أن الإقليم يجب أن يكون مستعداً لبناء علاقات مع تركيا على غرار العلاقات التركية مع كردستان العراق.
إن من شأن ترشيد الدعم العسكري الأميركي إلى القوى الكردية في سوريا، أن يفتح باباً واسعاً للتغيير الديمقراطي في سوريا، بما يرضي معظم الأطراف الدولية، وأن يجعل من النموذج الكردي «بتعاونه مع باقي مكونات الشعب السوري «مفتاحاً لحل طويل الأمد بدلاً من يكون باباً لحرب داخلية جديدة أيضاً ستكون طويلة الأمد.
*عن منتدى فكرة ومبادرة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.