علوان السلمان
فيا مديد الطول يانخل العراق
ارح جفونك شهرزاد الخوف
ادركها الصباح
عبدالجبار السنوي
الابداع..محاولة لخلق عالم افتراضي مواز للعالم الواقعي بنسج لغوي ينسق مكوناته منتج بعيد الرؤى المتخيلة..
والتجربة السردية فعالية ثقافية مبرمجة بمعايير خلاقة متفاعلة والمعالم الحضارية والتاريخية والسايكولوجية لتشكيل رؤية ابداعية متسمة باتساع خيالاتها وجمالية تعابيرها الممتدة على فضائها النصي المفتوح على الرؤيا والامتدادات الكونية باختصار المسافات و(تعدد القراءات والتنوع) حسب رولان بارت..
وليالي الناقد والشاعر علي الفواز التي انضوت تحت عنوان(وجه ضالع في المرايا)..واسهمت دار الغاوون في نشرها وانتشارها/2009..كونها نصوص سردية يمكن نسبتها الى السرد التمثيلي المشهدي والتصوير البصري مع بنية تكشف عن اعترافات(شهريار) بعد غياب(شهرزاد) عن القص(الليلة ازيح عن جسدي اكوام رموزه وافراط شهوته الواهمة وغفلته في اخطائه..)..فهو يعلن براءته من جسده المكابر..وما كتبه الفواز يشكل امتدادا لليالي(الالف ليلة وليلة)الشهرزادية ابتداء من الليلة الثانية بعد الالف وانتهاء بالليلة الخامسة والعشرين بعناصر التشويق والمغامرة..والتي تهدف الى صرف سلطة الملك باشتغالات حدثية رغبة في ابعاد الملك(شهريار) عن حالته المزاجية.. المأساوية التي اختمرت في ذهنه(بعد خيانة زوجته له) متخذا من الخاص عاما..باسلوب يتميز بالوضوح والجاذبية.. لذا فالنصوص تبدأ بشهريار وتنتهي به وما بينهما يسبح المنتج بحكاياته الشهرزادية المضافة..المتميزة بمعانيها التي تسبق الالفاظ الى الذهن والصور تسبق الوصف الى الذاكرة..والتشويق بعناصره يبعث اللذة ويثير الاهتمام وينعش الذهن..
(أنا الملك الشهريار أكتب اعترافاتي ما بعد الليلة الالف..أكتب براءتي من جسدي الخائن..المكابر..المنطفيء..الملقى بعدها على طاولة النعاس..أعترف انها علمتني ألا أكبر..وان أكون أكثر تهذيبا وأقل مللا..والابهى في شيخوختي..أعترف ان موتاي هم الذين قتلوني وان الشهرزادات كن يغتصبنني كل ليلة..كنت ملكا بلا بهجة..عاجزا عن اكتشاف فراشي واصابعي..كنت أتوهم لذتي..أقترح جسدا آخر..جسدا لا سرير له ولا شواظ تحت جلده..جسدا تعرشه الاكاذيب بالاستمناء وتتركه مغصوبا عند نوبة الهذيان..علمتني ان أخدع الوقت باللغة وان اكون صالحا صاحيا مسحورا عند شهوة الكلام..والكلام هنا هو ان أرى اغتصاب صمتي..وحدها علمتني أن أرحل بيقين كامل من فوضى الاصابع الى هيجان الكلام…) ص8..
فالكاتب يبوح بوحا أقرب الى حوار الذات(المونوجي) ويستنطق المكان بصفته دال اشاري متشعب باحداثه التي شكلت بؤرة مركزية تجتمع فيها خيوط النص بصوت(شهريار)..المخاطب (شهرزاد) المرأة التي تكشف عن كينونة الانثى المؤثرة..الصانعة للوجود الانساني الفاعل..الموازن بين عواطفه وعقله بعد ان تحتل مكانتها في ذاته المستفزة بحكاياتها وحركاتها فشكل وجودها حيزا مؤثرا متعدد الجوانب..متباين الابعاد التي كشفت عنها(شهرزاد) في ليلته بعد الواحدة والالف التي قدمت نفسها لتنقذ بنات جنسها بالحكي واشغال (شهريار) ببدء الكلام حين(قالت لها اختها: بالله عليك يا اختي حدثينا حديثا نقطع به ليل سهرتنا.. فقالت: حبا وكرامة ان اذن لي الملك ..)..فتبدأ الحكايات ولم تعرف النهاية حتى الليلة الواحدة بعد الالف وانجاب ثلاثة اولاد كانوا مصدر الشفاعة لها والعفو عنها بعد صمتها..حتى جاء الآخر لينسج خيالا مضافا..بعد ان فرضت تأثيرها على الامتداد الكوني فكتب غوته بعض قصائده متأثرا بعوالها وكتبت(فاطمة المرنيسي) عبر كتابها(نساء على اجنحة الحلم)..الذي تكشف فيه عن كيفية مغازلة المراة للسلطة مع بداية الليلة الثانية بعد الالف حين صمتت (شهرزاد) عن الكلام..اما عند الارجنتيني بورخيس فكانت مصدرا مهما لا تخلو منها كتاباته او حواراته..حتى ان كتابه(سبع ليال) حمل احد لياليه عنوان(الف ليلة وليلة).. كونها تكرس دلالات انسانية عميقة فكانت انموذجا وفعلا ولغة اسهمت في تشكيل صورة المرأة المنتجة فكرا..الوجود المكتنز حكمة ودهاء.. استطاعت من خلالهما اقتلاع جذور الهمجية الغاضبة..كان في مقدمتها دواخل نفسية(شهريار) الذي اتخذ من الخاص عاما..هذا يعني ان العقل بإمكانه جر الاخر للانفتاح على ذاته وتصحيح مسارها..
(خرجت أقشر الغبار عن اصابعي..أبحث في حقولي عن طيور القطا النافرة..أدثر روحي بجمرات موقدك المتروك للبرد والنعاس..أتوه في براريك البعيدة..أصرخ وحيدا وضالا..لا أبواق لي..لا ينابيع تصعد نحو عطشي..صوتك الوحيد ظل معلقا على الحائط كالايقونة يبادلني صمته وموتي..كلامه المباح هرب من النافذة مثل مراهق عصي..تركني ألملم بقايا غبار طلعه عن الاشجار القريبة.. وحيدا عند زاوية الغرفة المملكة أرقب طبق البخور وهو يصعد مثل روحي عبر مسامات الجدران الى هوائك البعيد..) ص61..
فالنص يتأثث من تلاحق الصور القابضة على لحظة الانفعال مما يمكن الكاتب الانفتاح على تقنيات السرد البصري(المشهدي) الذي يتطلب حضور المكان الحاضنة للفعل.. اضافة الى ان الكاتب يستثمر التداعي والتفاصيل اليومية لإضاءة بعض العوالم المعتمة بلغة محكية عبر خطاب الذات ومناخاتها للتعويض عن الاغتراب الذاتي والتخفيف من حدة المأساة(تأنيب الضمير).. ومن ثم خلق حالة من التوازن والوجود الموضوعي..وهذا لا يتحقق الا بامتلاء المخيلة بالمعطيات الحسية التي يتفاعل معها الكاتب بوعي كلي..فيخلق نصا يتخذ مسارين متضادين(الرؤية والرؤيا) وهما يعبران عن الحالة النفسية زمانيا ومكانيا باسترسال كلمي يغوص في اعماق الوجود التاريخي.. وينبثق من موقف انفعالي يتكئ على حقول دلالية (زمانية/مكانية/ حدثية/ ثنائيات ضدية..)..مع تكثيف العبارة وعمق المعنى لجنوح الكاتب الى التركيز والايجاز للتعبير عن لحظة انفعالية(صراع شهريار مع ذاته) بتوظيف نزع بلاغية واستنطاق الرمز وصوره..
وبذلك، كان الفواز شاهدا وكاشفا عن محركات السرد المتمثلة بـ (شاه زمان) المحرك الفاعل في الاحداث تتبعه دنيازاد شقيقة(شهرزاد).. وبؤرة السرد شهريار..فكانت نصوصه متفردة بعلامتين متفاعلتين:اولهما البنية الدرامية..وثانيهما اللغة المنطلقة من ضمير المتكلم.. وهو يخترق عالم الشخصية الداخلي ويتابع فعالياتها الذاتية فيخلق جوا منسجما والتكوين السايكولوجي للشخصية بلغة مكثفة.. رامزة ..مع تأكيد على المكان كوعاء فكري للذاكرة تدور فيه الاحداث وتتحرك داخل اطاره الشخوص لتكشف عن حركة الزمن ومتغيرات الاشياء.. بالتحكم بجزئيات المحكي ووضعها تحت سلطة المتخيل الذي يبني تصوراته على النسق القيمي الذي كشفت عنه (شهرزاد) المحتمية بانزيمات السرد وعجائبه وانفتاحه على اللذة المتخيلة التي حققها تفاعلها في شخصية(شهريار)..عبر حركة درامية اسهمت في تطور شخصيته..