في مجاميعه القصصية الصادرة بدمشق –دار تموز/2012(عودة الكومينداتور )( واسألهم عن القرية ) الصادر عن دار سطور /2016 يُخبرنا منجزه عن إمكانية متقدمة بالسرد القصصي بتقنياته المُشبعة بحرفية الكتابة القصصية ،ومستواها الدلالي الرفيع في تناول مختلف الموضوعات الحياتية بحبكة سردية تشي بقدرة القاص اللغوية في احتواء السرد بإمكانياته ونسغ معمار بناء قصصه المُهيمن عليها بإداراته المُتقنة لقصصه المسورة بالغرائبية ،وصوره الشعرية الباذخة بالتعبير، والمُحملة بالرمزية ،المُستلة من الواقع ..فقصص «أنمار» تميل إلى الشعرية والرمزية معاً وترتكن إلى الغرائبية في بعض منها ، يمتح ُ من الواقع العراقي ، ويجنح بخياله ليِحلق بجناح السرد ،ولِيقدم لنا على طبق الإبداع تلك القصص المُدهشة الثراء وجمالية الروي و الحكاء بتلك المخاضات المُعبرة عن الهم الذاتي والجمعي في بلدٍ العجائب، والمفارقات ،والطغاة ،والحروب، والتحولات …. كما بقصصه بمجموعته
( عودة الكومينداتور) في نصوصه العائد- ليلة ضاع فيها الرغيف –العُراة –اللعنة –هذا ما حدث في المقبرة – طفلٌ وجدار …….وفي قصصه القصيرة جداً بهذه المجموعة كالمتسكعون ص46: (( الصبية المشاكسون /المتسكعون في شوارع الضّياع، لم يصادفوا في حياتهم سدرةً مثل التي في حيّنا ، ولم يَذق طعمَ ثمرها واحدٌ منهم في درب حياته المتصحر، تجمهروا حولها / أرادوا إذلالها وسرقة ثمرها / لم يفلحوا؛ فراحوا يرشقون وجهها الملائكي ،بأحجار مبعثرة تناثرت من رأس الصنم المهشم في ساحة الجحيم
وقد أشاد القاص المبدع «محمد خضير» عندما كتب مقدمة المجموعة الثانية مندهشاً باسلوب أنمار الأخاذ )): القصص التي قرأتُها وأبحرت ُ في عالمها وصحبت شخصياتها، هي من دون ريب، مكتملة في بنائها وشائقة بأخيلتها. هي مكتوبة لتخاطب مستوى قرائيا ً معينا يتقبل أخيلتها المنسوبة إلى نوع من السرد العجائبي، يمكن تسميته هنابـ (سرد القرية). قد يبدو هذا النوع غريبا على عصر الثيمات الواقعية الجديدة، والتقنيات الحديثة، لكنه مكتف بعالمه البعيد، المنتمي إلى عصر البراءة والبساطة والنقاء. وقد يشعر قسم من القراء بحاجة إلى السفر نحو هذا العالم المنطوي بصحبة أشخاص مبعوثين من وراء حجاب الزمن الحاضر، يذكرونه بأصول فكرية وسلوكيات قديمة يشعر بها حاليا وسط صخب الحياة وعنفوان العمل اليومي الشاق وقصص القسم الثاني تمتاز بحدثها المدهش والجديد، ما يقربها من أجود المجموعات القصصية العربية والعالمية.
قصة فاهم
على أريكة انتظار الحافلة ، جلس رجلان بالصدفة .قال الذي على اليمن للجالس على اليسار:(الحياة مقرفة)، فلم ينبس الآخر بكلمة!. فكرر المحاولة: (الحياة مع كل بشارات التطور، تحولت إلى شيء ماسخ …؟).استمر الجالس على اليسار ساكتاً، ناظراً باستغراب للجالس بجواره. أقبلت الحافلة ،فانتصب الرجل الجالس على اليسار واقفاً ،سائراً بحذر شيخ ليركب الحافلة التي غادرت المكان مخلفة كمية من الدخان ،وكان مكتوباً على جانبيها عبارة(معهد الأمل للصم والبكم).في ذلك الأثناء وقف الرجل الجالس على اليمين ، بعد أن شعر بمغادرة الرجل الجالس قربه ،مرتدياً نظارة سوداء واسعة، ثم غادر المكان وهو يجسُّ الأرض بعصاه في واقع ملتبس يحمل الأسى بطياته.. ويومياته لتصبح اللا جدوى سمة بحيواتنا المكتظة بالوجع والخيبة والانكسار والمترعة بالهم اليومي حتى أصبح وجودنا بلا طعم ولا نكهة كما عبر عنها الرجل الجالس على اليمين بحوار يتكرر في كل محفل وموقع والأحاديث اليومية مع ذلك هناك كوة مُشرعة للأمل لعل قاصنا يدرك ذلك تماماً بقصصه التي أجاد في نقش وسبك ثيماتها الجماليّة والإنسانيّة وهو يُعالج موضوعاته بتلك المجاميع القصصية المهمة.
صباح محسن كاظم