دوران

صبيح عبد الله

على نحو غير معقول , بقيت هيأتي الجسمانية العصفورية مطروحة على الأرض . يمر الوقت متكاسلاً , وأحاول جهدي أن أستعيده بلا طائل . لا تسعفني طاقتي في إعادة التوازن لانعدام التوافق بين أعضائي بشكل مباشر .
كُنت أصرخ بأعلى صوتي دون أن يسمعني أحد . وفي حقيقة الأمر , هناك برهان بأني معدوم الصوت أطلق صرخات خرساء . لم أحس أن أوتار حنجرتي تطلق صوتاً .
لابد أن أوجاعاً مخبؤة هي التي تعلن عن نفسها . أعماقي المكلومة تتأوه وتستحيل تأوهاتها إلى صراخ .
تحسست جسدي . رأيت جرحاً عميقاً ينغزني أسفل القلب . الدماء تنز بلا توقف كنافورة . يبدو لي , يقيناً , أن الدماء المنساحة شكلت ترعاً في تجاويف جسدي , وهي التي عمقت آلامي الفضيعة وصرخاتي الشظوية .
أطلقت صرخة استغاثة بإشارة من يدي لأحد المارة أن ينجدني . تقدم نحوي مستغرباً .تفحصني بذهول . لم يعثر في مساحات جسدي على دماء أو جروح بالرغم من إشارتي بأصبعي إلى موضع الآلام . أبتسم ساخراً مني ثم غادر المكان دون أن يلتفت نحوي . ربما دار في ذهنه بأني مجنون أو متسكع ممسوس .
كنت عازماً على زيارة صديق مريض .. لكني نسيت أسمه وعنوانه .. نسيت حتى ملامحه.
بدأت أتململ كوحش جريح , ألوذ في مكان وأنتقل إلى مكان أخر , ينير دربي قبس خيالي.
أخـذت دمائي تتشخط على الطريق . ترسم خطوطاً بيانية أفقية خلف عقبيّ. لم أعد أسيطر على ثورة حواسي. تقدمت بضعة خطوات هزيلة , متراخية حتى أصابني الإعياء . بدأت فعاليتي تتناقص تدريجياً . أصبحت روحي مهجورة وشبه متلاشية . أقتعدت الطريق من جديد بعد أن غدوت كغصن ذابل . أخذت الأرض تميد بيّ حتى شعرت بدوران مغزلي يلف كياني .
في غضون وقت لم أعرف مداه, وجدت نفسي في سرير المستشفى . رأيت مجموعة أطباء يهرعون نحوي . لكن تغافلوني . لم أكن المقصود . تزاحموا حول مريض محاذي لسريري . نظرت إليه . كان يشبهني في الملامح والصفات . تسارع الأطباء في فحصه وعلاجه . أصابته هي عين إصابتي . يصرخ ويتلوى ألماً ويشير إلى موضع دماء غير موجودة أصلاً .
شعرت بميل عاطفي نحوه . ومن بين ثنايا الأطباء أماط رأسه نحوي بحركة قططية . تلاقت نظراتنا. أبتسم لي. نسى آلامه. مد يده ليصافحني .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة