أشرف القرقني
انعقدت في المركز الجامعيّ للفنون الدّراميّة والأنشطة الثّقافيّة في تونس العاصمة، الدّورة الثّانية لملتقى الشّعراء الطّلبة العرب، خلال الأيّام الثّلاثة الأخيرة من شهر إبريل/نيسان. وكان عنوان هذه الدورة: «رهانات الشّعر بين ما هو كائنٌ وما يجبُ أن يكون.
وتمثّل هذه التّظاهرة الثّقافيّة المميّزة من بين أنشطة المراكز الثقافيّة الجامعيّة التّونسيّة، استئنافًا لملتقى أدبيّ انطلق ببادرة من نادي الخميس الأدبيّ منذ 1992. وقد كان هذا الملتقى وطنيًّا، امتدّ لسنوات طويلة، وساهم في ظهور أصوات إبداعيّة تونسيّة عديدة. لكنّه توقّف خلال السنوات الأخيرة التّالية للثّورة. مقابل ذلك، كان هناك حرص على إعادة التّظاهرة وتطويرها من خلال فتحها على سياق المشهد العربيّ. كما أنّ لجنة التّنظيم قد طرحت، سواء في المنابر الإعلاميّة أم أثناء الفعاليّات، فكرة اشتغالها على تحويل الملتقى لاحقا إلى نشاط أفريقيّ ومن ثمّ عالمي.
تأسّست برمجة الملتقى على ثلاث أنشطة رئيسة، وهي أشغال ورشة مسابقة الشعر التي تكوّنت لجنة تحكيمها من الأستاذ الدّكتور فتحي النّصري، المسرحيّ محمّد شعبان وكاتب هذه السطور، القراءات الشّعريّة للشّعراء الضّيوف تونسيّين وأجانب من دول عربيّة أخرى، وكذلك السّهرات التنشيطيّة والعروض السّينمائيّة والمسرحيّة.
الشّعر حديقة للفنون
استهلّ اليوم الأوّل بمعرض للفنّ التّشكيلي والتصوير الفوتوغرافي تمّ إنجازه من قبل الطّلبة النّاشطين في المركز الجامعيّ حسين بوزيّان. وقد شمل هذا المعرض صورا توثيقيّة للدّورات السّابقة، فيما يشير إلى أنّ الملتقى وإن كان موسوما بالدّورة الثّانية، فهو يحاول أن يكون امتدادًا لعقود من العمل السّابق. ولكنّ الفكرة تطوّرت في ما يبدو لتسير نحو أفق أبعد ممّا استلزم استخراج الجديد من القديم، إيمانًا بما في القديم من أهمّيّة وطرافة، وما في الجديد من وعود أخر.
لم يمرّ اليوم الاوّل للملتقى من دون عرض موسيقي جمع بين الموسيقى التّونسيّة والمصريّة والخليجيّة. وحضرت الفنون الأخرى في ملتقى الشّعراء الطّلبة العرب، لا بوصفها وقفًا للكلام أو مراوحة عرضيّة مثلما اعتدنا في محافل الأدب. هناك رؤية عبّر عنها المشرفون على الملتقى، وعلى رأسهم المسرحيّ عماد الميّ، الذي ردّد في المصدح مرّات: «أنا لستُ شاعرًا. لكنّني أحبّ الشّعر وأحياه في المسرح». هذه الرّؤية تجلّت مثلاً من خلال عرض مسرحيّ قدّم في اليوم الثّاني: «حبّ ومسرح» وتضمّن نصوصًا شعريّة تمّت تأدّيتها على «الركح». إنّها رؤية بدت واضحة عند صعود الشّاعر المصريّ الضّيف جمال القصّاص إلى «الركح» وتفاعله ارتجالاً مع الممثّلين، وفي حيرة الجمهور أمام ذلك وتساؤله إن كان مخطّطًا له أم لا. يتجلّى جانبٌ مهم من هذه الرّؤية في هذه الرّغبة في جعل الشّعر حديقةً للفنون وكسر حواجز بين الفنّانين والمثقّفين الذين اعتادوا على الجلوس في حلقات ضيّقة تحت أسوار عالية.
أجيال شعريّة وحساسيّات مختلفة
دُعي إلى التّظاهرة عدد من الشّعراء المنتمين إلى أقطار وأجيال شعريّة وحساسيّات أدبيّة متنوّعة. ولذلك أثره في فعاليّات الملتقى. شاركت كلّ من مصر، سلطنة عمّان، موريتانيا، السّودان بين مشاركين وضيوف، كما كانت السنغال حاضرة من خلال مشاركة أحمد امبو في المسابقة الشّعريّة.
فمن جمال القصّاص، الشّاعر المصريّ وأحد أبرز عناصر جيل السّبعينيات في مصر، إلى الشّاعرة المصريّة غادة نبيل، إلى حافظ محفوظ من جيل الثمانينيات في تونس، وإلى شعراء الألفيّة الثالثة محمّد الناصر المولهي، أحمد شاكر بن ضيّة، ناظم بن إبراهيم وصابر العبسي، وصولا إلى المنصف المزغنّي، تنوّعت التّجارب واللّقاءات. لكنّها كانت ثريّة ومؤهِّلة في معظمها لتفاعل مّا بدا بعض منه في أيّام الدّورة، وأحسب أنّ البعض الآخر يستكمل في القراءات والمقالات والنّصوص.
مثل هذا التنوّع حكم نصوص الطّلبة المشاركين الذين حملوا بوفاء كبير سمات محاضنهم الثّقافيّة والاجتماعيّة وخصوصيّاتها. وتضمّنت المسابقة ثلاثين قصيدة، وفدَ ثلثها من خارج تونس. حضر نظام الشّطرين والقصيدة التّفعيلة وقصائد البيت الحرّ المسمّاة في غير دقّة قصائد نثر. ولكنّ اللّجنة اشتغلت على قراءة النّصوص وفق مقترحاتها الجماليّة. وانتهى بها الأمر إلى إعلان الجوائز على النّحو الآتي: الرّيشة الذّهبيّة لسيف بن سعيد بن خلفان الحارثيّ من عمان عن قصيدته «أسئلة»، الرّيشة الفضّيّة لسوار غابري من تونس عن قصيدتها «رحيل» والرّيشة البرونزيّة لمحمّد عبد الودود أبغش من موريتانيا عن قصيدته «نشيد الحبور.
ومع اختتام الملتقى في مسرح الحمامات المشرف على البحر الأبيض المتوسّط، يظلّ الرّهان مفتوحًا لجعل العاصمة التّونسيّة وجهة للطّلبة المبدعين من مختلف دول العالم.
*نقلا عن موقع ضفة ثالثة