سلام مكي
اقتفِ أثر النهار وهو يشج الدرب الميسمي بأصبعه المتورم
ارتمِ خلف التلال وهي تنتظر راعياً يكسوها بثوب من اللعاب
ويصفف بقطعانه ثمارها الطافحة بالدهشة
ارتمِ بحضن الريح وهي تفتش عن قنِّ يحمل عنها حبوب اللقاح
كثيرٌ من الشمس وقليل من الأفياء. بيدين خائفتين، احمل ستائري وامض
حيث الموقد الرؤوم، يدفئ بقايا الخراب
إكنس عتمة الأمكنة بضيائك الشفاف
أنت، أيها الصامت، كوجاق مسن، الراحل عنّي كرأسٍ ساخن:
إياك أن تستجيب لصوتي، وهو يتدحرج في الأدغال
إياك أن تسمع لصغيرتي، وهي تلعق عفتها المتجمدة في يدي
إياك أن ترتدي قفازاتي القديمة، وأنت تصافح عشيقاتك
إياك أن تطعم رصاصك المبتل بالدم، لتلك الأجساد الشرهة
هاتفني، ذلك الصوت النحيل وهو يردد بعضاً من عباراته الصدئة
ويحمل عل أكتافه الزرق، نعش ذاكرته التي أُزهق تأريخها ذات شبق وحيد
يحلم بنهر، يتسع ليقظة الدماء وهي تسدل الستار عن آخر وجبة للعطش
– لا يحل لك الحلم بنهر هجره الماء بعد أول ليلة قضاها برفقة القصب العاري!
لا للغربة، ولا للديار تنتمي. أي رغبة جاءت بك الى هذا المستنقع؟
إسترد وجهك من المرآة، أو الصور القديمة، حتى تجد له ماءً يستره من الضياع
أطرق باب زوجتك حين تنام على سريرها الخشبي، توجه صوب نهدها المتهدل
كعربة معطلة.. علّه يصحو، فينتصب، أو يستر الفراغات الكئيبة
أطرق باب أمك التي تركها أبوك موحشة كالسراديب
أترك صدرها يستريح من طفولتك الأبدية
*******
لم أعد قادراً على الكتابة، أو التحليق في زقاقها الممطر
مثل حدأة أصيبت بالعمى، وهي تحمل في منقارها عصفوراً يغترف موجات من الهواء
لم أعد قادراً على المكوث في الخيام، وأسياف المواقد تصهل كجسد داهمته اللذة
صديقي الكسيح، يتلوى تحت الضياء الباهت كأفعى مرهقة
قلبه يوجع جدرانه كمعول شره
شيءٌ يمنعني من الاقتراب، برغم أبوابه المفتوحة وزوجته التي لا يسترها سوى الظلام
شيءٌ يسترد ضوء القمر المنسكب في كفي
ويتركني للنشيج الذي لا يحترق كالشمس
يصوب مسدسه المحشو بالكلمات نحوي، لكن لسانه رابض كقذيفة لم تنفجر
شيءٌ يدفعني نحوك، أيها القدر الخائب
لحاءٌ من الديدان، أسنانٌ مغطاةٌ بالإسفلت، نساءٌ يتذوقن الخطايا
أجسادٌ تقيأتها الحرب، لتبدو كالقمامة..