كتابةُ الشعر لعبةٌ باهرة، وإتقانُها يضع الشاعر في سياقِ من يحوز شروط تلك اللعبة، إذ تتحول اللغة الى فضاء، والاستعارات الى وسائط تُحفّز على الارتقاء بشروطها، واستدعاء ما يمكنُ أنْ يكون شغفا أو وجدا، أو مفارقةً أو تمردا على السياق..
الشاعر عمار المسعودي يدرك هذه اللعبة جيدا، إذ يمارسها بوصفها تعويضا، أو حتى دهشة إزاء عالمٍ يُخاتله دائما، عالم يفرض شروط بلاغته، وتوحشه، حدّ أنّ القصيدة تبدو وكأنها خلاصه الوحيد من أوهامه، ومن مرائر ما يحوطه من خيانات يومية..
يكتب المسعودي عبر شفرات هذه اللعبة، ليستدعي الآخر، بوصفه القرين، أو الشاهد، أو الحبيب، أو صانع اللذائذ، وباتجاه أنْ تكون القصيدة رسالة أو اعترافا، هي أقرب الى النزوع الصوفي، نزوع الباحث عن ذاته، عن صورتها المشدودة بالمرايا، والمبهورة بلمعان الكلام، إذ هو لمعان الدهشة، وشواظ الرغبة، مثلما هو شرط الرؤيا…
ما يشبه المرور عليك،
مازلتُ راغبً في مرورك
شرط الاَّ تراني ،فان فعلتْ
ورأيتني من زاوية لقميص
او من قصيدة في كتاب فلا
أنتَ مني ولا أنا منك…
هذا الآخر/ القرين/ الحبيب، هو خطاب الوصال، وجوهر ما تمثله اللذة من معنى، أو من فيضٍ، يستولده الشاعر في السياق الشعري، وكأنه لعبته في المراودة، وفي الترقّب، أوفي البحث، والكشف، والتماهي والحلول..
يكتب المسعودي-هنا- نصه الشخصي، نص المزاج، والفكرة، لكنه يحمّله نقائضه أيضا، إذ ما تبدى من القصيدة لا يعدو أنْ يكون إلّا هوسه بالحياة، ذلك الهوس الفائر، والمخاتل، لكنه الأكثر سطوعا في اللغة، واللغة هنا ليست مجالا عابرا للتواصل، بل للوصل بمعناه الصوفي واللذوي، وبمعناه الذي يجعل من الفيتشيه/ شفرات الآخر، مجالا لاصطناع فكرة اللذة، تلك التي يتقصاها الشاعر، وكأنها سرُّ لعبته في الكتابة، وفي الشغف والاستدعاء.
مازلت اعرف ترقبك للسماوات
وهي توصلني اليك ،لكني سوف
لا أنزل بمطارك ولا بمدرجك، كونك
شديد الرياح، كثيف الأمطار سريع
الدموع..
يعيش الشاعر المسعودي في قصيدته بعضاً من هواجس بحثه عن الوجود، عبر العلامات، إذ يغيب الجسد بوصفه الايروسي، لتتبدى علاماته، وهي توهمه بالاستغراق، وبدالة الوجود عبر وحدته، حدّ أنّ هذه الوحدة تتمثل رهانه واستيهامه في الوصل والاشباع، وفي اغمار القصيدة بدفقٍ من الرغبات، تلك التي يوجدها، أو توجده، وبما يجعل الكتابة وكأنها هي لعبة البحث عن البحث عن الوجود ذاته، الوجود المشبوب في التفاصيل، في اللغة، في الحب والفاكهة/ ذاكرة الخطيئة/ غواية النزول/ شغف اللقاء..
وحدةُ وجود،
يبدو أني غير صالح الا للقاءٍ واحدٍ
غيرُ جاهزٍ الاَّ لترنيمةٍ واحدةٍ في اغنيةٍ
أو حتى في قصيدةٍ منسيةٍ .
لا يكتب المسعودي قصيدة صوفية خالصة، بقدر ما يكتب هوامش المخفي في سؤاله الوجودي، هذا السؤال المسكون بالذاكرة الكربلائية، والنزوع الى التطهير عبر اللغة بوصفها طقوسا، أو نداءات خفية، تستعيد الغائب، وتوحي بما يساكن الشاعر من نقائض، أو من غوايات، لا مصدّ لها إلّا اللغة ذاتها، بوصفها العلاماتي، أو بإشارتها الى ما هو مُضمر، أو عالق كالهواجس، أو ناتئ كالاعتراف..
قد تكون هذه القصيدة هي الأقرب لنص الاستدعاء، نص الآخر/ المحبوب، والذي تفترض دالة حضوره البوح والاعتراف واستدعاء عن الغائب بامتياز الحاضر في اللغة…
علي حسن الفواز
عمار المسعودي يكتب نص الاستدعاء
التعليقات مغلقة