أدباء وشعراء عرب:
(2-2)
علي لفته سعيد
ظاهرة شعرية
وعدّ الناقد المغربي عبد الرزاق هيضراني درويش انه: ظاهرة شعرية معقدة بالنظر إلى ما أثارته دواوينه الشعرية من مشاعر متضاربة في صفوف المتلقي العربي والعالمي على حد سواء عند الفلسطينيين أو من جانب المسؤول الإسرائيلي تبعا لذلك يرى هيضراني: ان الشعر الحقيقي هو الذي يخترق الحدود ويتحول إلى موسيقى عابرة للقارات ويتساءل: ما معنى أن يلفت انتباهك شعر ما كشعر درويش بإيقاعه البسيط ولغته الشعرية السهلة العذبة؟ وما معنى أن يتحول شعر ما من مركزية الأنا إلى جماعية الشعر وكونيته؟ ويجيب: درويش شاعر استثنائي نسي ذاته في الجماعة ذلك أدرك أن الشعر ليس فضاء للإقامة المطلقة في دائرة الجماليات المجردة من القيم الثقافية.. ويرى هيضراني: ان من الطبيعي أن يسمى شاعر المقاومة غير أن هذا النعت لا يسلب من درويش دفاعه عن كل قضايا الإنسان المغبون والمهمش وهذا ما يجعل شعره لا ولن ينتهي لأنه وإن ارتبط بفلسطين بحكم الاِنتماء .. ويستدرك ان درويش أحرج العالم وأثار انتباهه إلى فلسطين المحاصرة وصحيح أنه أزعج القادة الإسرائيليين حين اعتبروا نصوصه تحرض على الإرهاب وانه عتادا يهدف إلى القضاء على إسرائيل لكنه بالمقابل مثل الطبقات والمجتمعات المسحوقة وفضح أنظمة الاِستبداد.. ويؤكد ان من يقول إن قصائد درويش ستنتهي عندما تنتهي قضية فلسطين سيقول الشيء نفسه عن قصيدة «إرادة الحياة» للشابي، مثلما سيربط «منتصب القامة أمشي» بفلسطين، إنه عطب من أعطاب القراءات الأيديولوجية التي تحتكم للمجال بعيدا عن رمزية النص الشعري وأبعاده الممتدة.
درويش والقدرة على الامساك
بالجمالي الفني العالي
الشاعر العراقي منذر عبد الحر اعتبر درويش: انه يتميز عن غيره من الشعراء بأسلوب تعامله مع اللغة فيطوّعها برشاقة عجيبة لكي تغدو نقاطا مضيئة يجمعها بدقة وهو ينحت صوره ورؤاه ومواقفه الفكريّة عبرها كلّ ذلك يفعله في لحظة شعريّة متكاملة تحافظ على سرّ جذوتها وتدفقها السلس واصطيادها للمعنى مجازا وموقفا لذلك كان خير معبر عن قضية العرب الكبرى فلسطين.. ويرى عبد الحر: ان سر فوزه بحسنيي الشعر لم يأتِ من فراغ أو من مصادفة أو بسبب التأثر الوجداني من قبل جمهوره بالقضية الفلسطينية بل جاء ذلك من خلال قدرته بالإمساك بالجماليّ الفني العالي وكذلك بالقدرة على التواصل مع الجمهور بكل مستوياتهم , وهذا الأمر وأعني الحسنيين في المعادلة الشعرية الفن والجمهور من النادر أن يتحقق لشاعر وسم بالحداثة لغة وتجربة ومنجزاً. ويزيد بقوله إن سرّ بهاء الشعر في تجربة يكمن في تمكنه من صياغة مفرداته صياغة حرفيّة دقيقة تحلق جمالا بصورها المتدفقة وفكرها العميق وموسيقاها المنتقاة لتنسجم مع موضوعاته التي لا تتناول القضية الفلسطينية تناولا شعاراتيا ربما لا يحبذه الآخرون ولكن من خلال تصوير عميق للحالات الأكثر عمقا من تأثير الهتاف والشعار والصراخ بل هناك بعدٌ دلاليّ أحيانا يأتي بالإيماءة والرمز وبدهشة تنفتح على الآخر بيسر وعمق أو بالسهل الممتنع لا على طريقة شعراء دغدغة المشاعر والأحاسيس بل بالعكس يصوغ من احتدام الموقف رؤية وموقفا وصورة تحلق في فضاء المعنى الذي يحفز الآخر ليس انفعالا وإنما تجاوبا ثقافيا ووجوديا حساسا.
الصوت العالي
الناقد العراقي داود سلمان الشويلي يرى: ارتباط الحالين معا ويقول ان تنتهي القضية الفلسطينية معناه انتهاء الروح الانسانية في العالم ذلك لان القضية الفلسطينية ليست معناها قضية عابرة في فكر ووجدان شعب ما بل انها اكبر من كل هذا.. انها قضية شعب حي ووطن معروف تاريخيا ويؤكد مرة أخرى بقوله: ان القضية الفلسطينية معناها ان الاف الشهداء العرب روت دماءهم ارض فلسطين إذ سقطوا في المعارك التي خاضوها ويتساءل الشويلي: بعد كل هذا هل انتهى الشعر الفلسطيني وخاصة الشاعر محمود درويش ؟ ويجيب أن القضية الفلسطينية مازالت متأججة في وجدان الشعب العربي وفي وجدان الرأي العام العالمي وما دام كذلك شعراء القضية الفلسطينية ومنهم الشاعر درويش فما زال صوته عاليا نقيا رغم موته الجسدي وهو القائل (ايها المارون بين الكلمات العابرة، احملوا أسمائكم وانصرفوا/واسحبوا ساعاتكم من وقتنا ،و انصرفوا/وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة/و خذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا/انكم لن تعرفوا/كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء/ايها المارون بين الكلمات العابرة/منكم السيف – ومنا دمنا/منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا/منكم دبابة اخرى- ومنا حجر)
ناي السماء
الشاعرة البحرينية الدكتورة منى غزال تعبر عن درويش بأنه ناي السماء الذي كان يثلج صدورنا وهو الذي لم يتحدث يوما عن نفسه بل تحدث عنا عن وجع شعوبنا العربية وعن ظلم من منا إلى جلاد أو تحول منها الى عرب يهود أو الى وحش آدمي يقتات على بقايا جثث أطفالنا .. وتضيف ان محمودا هو من كلم البحر فأبكاه وأنزل دموعه على الأمواج التي ذهبت ولن تعود وترى انه سيظل صرخة العيون الباكية ودمعة الأرواح الشاكية ونبي الشعر الذي لن يخلفه نبي آخر كما إن زمانه لن يتجدد..
أيقونة الحب
الشاعر والقاص الجزائري الشاب مبسوط محمد يقول: محمود درويش من أهم ايقونات الشعر العربي الحديث أيقونة للشعر والحب من جهة والوطن والتحرر من جهة اخرى.. ايقونة لا تقترن بوطن واحد بل بقضية واحدة هي قضية التحرر ورفض العبودية ويرى ان البعض يقرن مفهوم درويش بالقضية حتى أنهم يفترضون ان شعره قد ينتهي بانتهاء القضية وزوال المبرر متناسين أن درويشا لم يخلق لذاته فقط بل خلق للشعر والحب والوطن وتجتمع هذه الثلاثية في معنى واحد هو الوفاء لقضيته الأولى.. ويضيف ان فمحمود درويش لم يعتبر فلسطين كوطن فقط ولا كأرض يقطنها ولكنه كتب لها كقضية يؤمن بها لذا فليس غريبا ان تدرس نصوصه في أوطان اخرى لأنها تحمل المعنى الحقيقي لاقتران الوطن بالحب وامتزاج أحلام الشاعر برغبة العديدين من الحالمين العاجزين عن التعبير بلغته ورمزيته. وعد مبسوط درويش بانه شاعر الفقراء والمضطهدين شاعر للتحرر وقد نعتبره نيلسون مانديلا الشعر كيف لا وهو الذي وهبها عمره فعاش القضية بدقات قلبه ونبض اليراع لم يستسلم ولم يخش ولم يحلم إلا بوطن يعيش فيه طفولة الشعراء رجل خلق لقضية قاوم لأجلها بقلمه إلى اخر دقة في قلبه للوطن.. ويزيد بقوله: انه رسالة للتحرر عبر كل الأزمنة وفي كل الأوطان التي عايش فيها حلم الكثيرين وهو بهذا شاعر للحب ونصوصه هي شيء من نبوءة الشعراء التي لا تقترن بزمان ولا مكان.