لا أحسب أنّ هناك(جفاء) من رواية(المهجر) كما يقول الروائي محمد حياوي في عمود كتبه مؤخرا لأحدى الصحف العربية، بل كان هناك نوع من البحث عن تواصلٍ ما، عن شغف ما، عن تلاقٍ ما بكثيرٍ من اللحظات الانسانية الغائبة، وبهموم قد تبدو لقارىء الرواية العراقية بأنها مشتركة، فضلا عن الحرص على تتبع مايكتبه روائيو الخارج- أن جازت التسمية-، لأنّ ما يشاهر به (البعض) من مواقفٍ تُعلن هنا أو هناك عن القطيعة، لا وراءها إلّا أجندة أيديولوجية واشاعات، قد تسعى لعزل أدباء الخارج، واتهامهم احيانا ب(اللاوطنية) وهو موقف سياسي وعُصابي وليس موقفا ثقافيا ولا نقديا، مثلما هو اتهام الرواية العراقية في الداخل لهامشيتها، وضعفها، ومحدوديتها…
وأحسب- أيضا- أنّ كثيرا من الجلسات والكتابات والحوارات والنقاشات قد أفصحت عن هكذا مواقف سلبية حول رواية أو كتاب صدر هنا أو هناك، ودخلت في جدالات، وحواران ساخنة، رغم أن هذه الظاهرة ليست بعيدة عن الواقع الثقافي/ الأدبي العراقي، فهناك من يتتبع ما كان يُكتب في الخارج، وكأنه نوع من الهمِّ الثقافي الوطني، وصولا الى تداوله أو استنساخه من قبل البعض وكأنه وثيقة سرية..
وبعد ظروف الاحتلال لم تستطع المؤسسة الرسمية الثقافية أنْ تكون بمستوى الحاجة الثقافية وتحدياتها، فبإستثناء مؤتمر المثقفين العراقيين عام 2004 ظل الواقع الثقافي العراقي مسكونا بتجاذبات أنعكست على العمل الثقافي الرسمي والمدني، حدّ أنْ أغلب وزراء الثقافة والمسؤولين عن الملف الثقافي كانوا من خارجها، وينظرون للثقافة بريبة والتباس وإهمال، وربما اتهامها بالأدلجة اليسارية، وهو ماجعل أجواءها مُلبّدة ومحدودة، واجراءاتها بعيدة عن المهنية، ومنها الترشيح للجوائر أو في اللجان، وحتى في خيارات طبع الكتب والمشاركة في فعاليات الحوار الثقافي..
هذه المعطيات أسهمت الى حدٍ كبير في تهميش المشروع الثقافي الحر والمدني، وربما هناك الكثير من المعوقات التي سعى البعض لفرضها، وصولا الى تحجيم أية مبادرة حقيقية لتأسيس مجلس اعلى للثقافة، أو حتى دعم التوجهات والمؤسسات الثقافية المدينة لتكون أكثر تمثلا لمواجهة تغيّرات المرحلة، وماتركه الاحتلال الامريكي والصراع الأهلي على قيم الحياة والمعيش وتنوع وتعدد الثقافات العراقية وحمايتها من المحو والتهميش والاقصاء، وصولا الى تهميش الصناعات الثقافية، ومنها صناعة الكتاب الأدبي والسوق الأدبي ودعم وجود دور نشر جديدة تتبنى اصدار الكتاب الثقافي بعيدا عن المركزة القديمة، والرقابة التي تحجم حرية الكاتب العراقي، بل الأدهى من ذلك هو البقاء على الاجراءات والقوانين القديمة المعوقة لانتاج وتسويق الكتاب، والتي تحدد اليات خضوعه الى دائرة رسمية يمكن أنْ تخضع لمزاج هذه المؤسسة الايديولوجية أو تلك، لاسيما الرواية التي باتت هي الخطاب الأكثر حضورا في مناوئة تاريخ كتبته السلطة أو جماعاتها..
موضوعا الداخل والخارج دخل الجهاز الاستعمالي للنقد، وحتى الانثربولوجيا، لذا تبدو الحاجة الى أنسنته هي القارّة والضرورية…
علي حسن الفواز
الرواية العراقية وأسئلة الخارج والداخل
التعليقات مغلقة