قاسم سعودي
من الجميل أن نكتب ، لكن الأجمل أن تترك كتابتنا أثراً جمالياً نستطيع من خلاله بشغفنا الخاص والممكن فتح أبواب مخيلة المتلقي ووعيه الجمالي العنيد .
لكنه أمر داكن الصعوبة ، قبل أن يكون مستحيلاً ، لدى العديد من رواد الكتابة بشتى أشكالها المتنوعة ، أمر تكمن صعوبته في ذلك الوهم الذي يلازم أصحاب الكتابة المغلقة التي لا تحمل بين دقائقها الكثير من بهاءات الاحتراق التعبيري وأبجدية البياض المضيء .
مدونات ورقية كثيرة ، بعضها إبداعي متميز ، ومنها ما هو بعيد كل البعد عن صدق العاطفة ولسانها الوفي لمكابدات الإنسان ، وتنقيبه المستمر عن أسرار الإبداع في الكشف والمحاكاة والخلق والتسامح والأسئلة .
الكثير من الحب والأكثر من ابتسامات التناغم النبيل والقراءة الذكية والمثابرة الدافئة وروح المعاصرة المشبعة بحلاوة التراث والمقولات البهية ، هذا بعض ما نحتاج إليه لنعثر على تلك الرائحة المنبعثة من مطبخ الكتابة الشهي .
ولكن ثمة أسئلة تتدفق من وجع ما نحن فيه ، من تحليق مستمر في العثور على زهرة الإبداع ، هل حقاً أن كل ما نكتبه سيبقى ؟ .. وما لا نكتبه سيخرج يوماً مداعباً بياض الورق وجفن القارئ وأجساد المكتبات، وهل لدينا الحق في تقديس المبدع ومزاجه الكتابي المتوتر بين رغاب الحياة ؟ .
ومن لديه الشرعية المطلقة لمصادرة أي كتابة ما ؟ وهل من حق الجميع إصدار أي منتج كتابي ، بعيداً عن شروطه الإبداعية والإنسانية ؟
وأين تكمن خيوط هذه المعادلة التي تبدو صعبة بعض الشيء، خصوصاً مع تلك الهالة العجائبية والحفاوة المبالغ فيها في اصطياد لقب الشاعر أو القاص أو الروائي أو الناقد أو حتى لقب المثقف ، تلك المعادلة التي تؤكد يوماً بعد يوم وكتاب بعد كتاب على ضرورة تحديد ما يطبع وما لا يطبع .
لا بأس بتشجيع الأقلام الجديدة والأخذ بتطلعاتها ومواكبتها ، أو حتى الأقلام المطفأة أو تلك التي لا تجد وسيلة أخرى للتعبير عن سخونة القلب والروح والأسوار العالية ، لكن الوعي بالكتابة هو كل ما نحتاج إليه قبيل الكتابة ، الوعي بالشعر ، الوعي بالسرد ، الوعي بالرواية والحياة والإنسان ، الوعي الذي يشكل بكل مفاتيحه السرية هاجساً يموسق الذات صوب أعالي البوح ، ومطلباً حقيقياً تعجز عن تكميمه كل مكنونات الادعاء ورائحة الكلمات الميتـة.
الجرأة في الرؤية والنضج وتناول غير المألوف وغير المتوقع الذي يقودنا إلى أرائك الذهول والدهشة وفتح قنوات المخيلة وقبلهمــا الحــرية هــي من أبرز رئات الإبداع الذي يفتــح عيون القــراء مسافة أجنحــة لا تتعــب ، أجنحة تهب إلينا وجبة ساخنة متجددة ينتظرها الكثير والكثير من عشاق الكلمة العذبة .
إن الأمانة الإنسانية ومساراتها المأنوسة بطين الصدق ، هي وحدها من تستطيع ملاطفة ضمير التعبير الكتابي الذي سيظل متدفقاً في عروق الكائن المبدع ، أمانة الحب ، أمانة البوح ، أمانة النقاء ، أمانة الوطن ، أمانة الفرح وحتى أمانة الحزن أيضاً .