تواصل ثقافية الصباح الجديد نشر حلقات من كتاب: سرقة حضارة الطين والحجر للكاتب حميد الشمـري
الحلقة الثانية
وتقول المأثورات اليهودية أنه عاش في البلاط البابلي ثم في البلاط الفارسي ومنها عاد إلى فلسطين مستصحبا معه سفر الشريعة ثم كتب التلمود هناك. وعلى سطح تل التوبة القبر المنسوب للنبي يونس (ذا النون في القرآن) ونون من اسماء الحوت في العربية فيكون اسمه صاحب الحوت (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْيرسلينَ- الصافات – 1 ) ٠ وكذلك مقام النبي شيت , و في كركوك يوجد المقام المنسوب للنبي دانيال و في جانب الكرخ من بغداد في مقبره الشيخ جنيد البغدادي يوجد المقام المنسوب للنبي يوشع بن نون ومقام النبي ايوب والخضر وغيرهم المنتشرة في جميع ربايا وسهول الوادي وكذلك لوجود الكثير من المعابد المجوسية وبيوت النار خاصة في شمال العراق , ولكون التوراة والتلمود قد كتبتا في أرضه ودائما ما تكون نصوصهما وذكرى الأنباء المرحلين في الترحيلات الآشورية والبابلية تثير فيهم الشجن وتجعل أبناء الرب أحفاد شمشون تدمى قلوبهم وتحترق أفئدتهم وتلسعهم الدموع كلما فتحوا كتبهم.
مهام أخرى
وكان لبريطانيا وفرنسا الدور الأبرز بين الدول الأوربية في الصراع لاقتسام الأراضي التابعة للدولة ألعثمانية التي كانت على شفا الانهيار وكان العراق هو الساحة الأفضل لهذا الصراع لمحاددته للدولة العثمانية , وكانت مساعيهما الاستعمارية تتمثل بطرق عديدة منها إجراء مسرح عام للمدن والقرى وبعثات أخرى لمسرح الأنهار وكان ذلك يجري أمام أنظار السلطات العثمانية الغافلة عما يدور وكان من ضمن مهام هيئاتهما الدبلوماسية وبعثاتهما التبشيرية التي اتخذت في القرن الثامن عشر من الولايات العربية في العراق (بغداد 1789 (, الموصل البصرة 1764 ( التابعة للإمبراطورية العثمانية مقرا لقنصلياتها وبعثاتها) هو إرسال المزيد من البعثات وتوسيع قاعدة التمثيل الدبلوماسي والتغلغل في بنية المجتمع العراقي إضافة لأعمالهما في مجال الجالسوسية والتبشير النصراني , وكانت هناك مهمة أخرى هي سرقة الآثار القديمة والمخطوطات وإفراغ البلد من تاريخه وآثاره وتراثه. وكانت عيون اليهود بالذات مصوبة نحو سرقة محتويات مكتبات الأديرة والكناس النصرانية والكنس اليهودية , أما الهواجس الدينية عندهم فتأتي بسبب الامتدادات التوراتية والتلمودية في الإنجيل , و أسباب آنية اخرى لحماية المبشرين النصارى المتواجدين هناك , وأيضا لوجود مجاميع دينية من غير العرب والمسلمين مثل أليهود والنصارى الذين يحضون بحماية بريطانيا وفرنسا ووجود مجاميع واقليات من الأديان القديمة كالصابئة العرب المندائيين وهم من أقدم الديانات التوحيدية غير التبشيرية , والديانة الزرادشتية (المجوس) عبدة النار التي ظهرت سنة (583 ق م ) , واليزيديين العرب الذين ينظرون إلى ابلس باحترام ولا يوافقون على شتم الشيطان وعندهم تمثال يرمز لشخصية مقدسة اسمه (طاووس ملك – وهو تمثال لطائر الطاووس) وهم طائفة دينية توحيدية تعبد الله لكنها غير تبشيرية منشقة عن الاسلام ومتزمتة محاطة بالغموض ومنطوية على نفسرها و(ربما) ترتبط بجذور وثنية قديمة لها علاقة بعبادة الشمس والنجوم وقد حاولت بعض الجهات لأغراض خاصة نشر تسمية جديدة لليزيديين العرب بتسميتهم باليزيديين لأجل التغيير العرقي وذلك بعد الاحتلال الامريكي للعراق لأسباب سياسية , وقد ظهروا للوجود العلني في القرن الثاني عشر الميلادي حيث اعتنقوا الإسلام في زمن شيخهم الروحي عدي بن مسافر وقد اختلطت عندهم جميع هذه الأديان والعقائد فأنتجت ديانة خاصة بهم , وكذلك لوجود أقليات عديدة من أتباع المذاهب المنشقة عن الاسلام مثل الكاكانية (الاخرية) والعلي اللاهية والعلوية و (البابية) نسبة الى مؤسسها علي بن محمد رضا الشيرازي المعروف بلقب (الباب) الذي ادعى انه المهدي المنتظر وظهرت دعوتها في شيراز سنة 1844( ثم ولدت من رحمها ديانة أخرى هي البهانية نسبة الى أحد مريدي الباب وهو علي حسين الثوري الذي عرف بلقب (بهاء الله) ثم انتقلت البهانية إلى النجف وكربلاء وبغداد لنشر دعوتها ولكن تم طرد دعاتها من هذه المدن فذهبوا إلى السليمانية وانتشروا في شمال العراق , وكذلك الجرامقة السيان والنساطرة والأسقفيات اليعقوبية وجميعها من المذاهب والأقليات التي انسلت من الديانة النصرانية وهم من الطوائف التي شارفت على الاندثار وبقي البعض من اتباعها محاصرين بين النسيان وتضاريس الجبال الوعرة في شمال العراق التي عزلتهم عن العالم , وكانت جميع هذه المذاهب والعقائد تثير اهتمام المستشرقين ألأوربيين لغرض دراستها والنفاذ من خلالها إلى قلب وجغرافية العالم الإسلامي
هواجس استخبارية واستعمارية
أما الهواجس الاستخبارية والاستعمارية فهي بسبب أهمية ولايات العراق الثلاث حيث أن ولاية البصرة هي الميناء البحري الوحيد للعراق ومجاورة للدولة الصفوية في إيران وكان لبريطانيا الدور الأبرز فيها حيث أنشأت قنصليتها سنة 1764 ( باعتبارها صلة الوصل الرئيسة في المواصلات البرية البريطانية التي كانت تسمى (بريد الجمارك البريطاني) بين لندن والمستعمرات البريطانية في الهند درة التاج البريطاني حيث كان السفر برا أكثر أمانا من البحر , أما بغداد فبسبب توسطها للعراق وكونها الولاية الرئيسة ومركز الحكم والقرار الإداري فيه , أما الموصل العربية فكان الاهتمام بها كونها ميناءا تجاريا نشطا ومحطة مهمة للبريد وأيضا لمجاورتها لحدود تركيا الحالية مركز القرار السياسي للإمبراطورية العثمانية وهكذا اصبحت بريطانيا في سبعينات القرن التاسع عشر صاحبة النفوذ الأقوى في الولايات الثلاث وبذلك رسمت وأعدت لنفسرها دورا حيويا وخطيرا وهو الاستيلاء على الأراضي المجاورة للدولة العثمانية وكان العراق من اهمها , وكانت هنالك الدوافع الاقتصادية وهي البحث عن طرق آمنة ذات ديمومة للوصول إلى الهند ولمعرفة الواقع الجغرافي لحوض ما بين النهرين وما يمكن أن يوفره النهران من إمكانات ملاحية لمساعدتها في سعيها للتوغل الاستعماري في مناطق الشرق الأوسط المجهولة والغامضة عليهم .
*المذهب النسطوري – نسبة الى نسطوريوس الزعيم الروحي للطائفة النصرانية في شمال العراق في القرن الخامس الميلادي . واستمرت تسميتهم بالنساطرة حتى سنة لم 1886 عندما اختار لهم رئيس اساقفة كانتر بري تسمية (الآثوريين) ولا يخفى قصد البريطانيين من ربط النساطرة بالآثوريين ثم تحريف الاسم الى الآشوريين الاوهو دعم فكرة ان هؤلاء القوم النصارى هم اصحاب الحق في ارض آشور لتشكيل دولة آثورية حيث تقدم بهذا الطلب رئيس طانفة النساطرة (المار شمعون) . وبعد استقلال العراق تحت المظلة البريطانية تراجع الانكليز عن موقفهم وقالوا ان تسمية النساطرة بالآثوريين هي تسمية مظللة وهم طائفة دينية ولسوا اقلية عرقية – ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق – احمد سوسة
أما الدوافع السياسية فكانت بسبب وجود مجاميع عرقية من غير العرب مثل الأكراد والأكراد الفيليين والأرمن والشبك والآثوريين وجميعهم يكنون عداءً خفيا للدولة العثمانية عدوهم المشترك , لكل هذه الهواجس والاسباب بدأت غزوات البعثات الأجنبية والمبشرين والمغامرين تتجه صوب أرض الإرث الديني والتاريخي والآثاري والحضاري في بلاد الرافدين.