أمير الحلو
علاوة على ما يتمتع به الدكتور شاكر الجنابي طبيب القلب المعروف والاستاذ في الكلية الطبية سابقاً من سمعة علمية عالية،فانه من أظرف الناس الذين تعرفت عليهم وصادقتهم وله قصصا ومواقف جميلة وطريفة خلال مسيرته الحافلة بالسياسة والعلم والاخلاق… روى لي أنه كان في ثانوية المحمودية وله ميول يسارية وفي أحدى المناسبات السياسية خرجوا بمظاهرة طلابية ضد الحكومة في العهد الملكي ،ومع الشعارات الحماسية والهتافات قام الطلاب برفع شاكر ليهتف،وعندها أصيب بالحرج وهو لايعرف ماذا يقول،تذكر ان تنظيمهم السياسي ضد الاستغلال والامبريالية معاً، لذلك قام بالهتاف ضد البقال الوحيد في منطقتهم وهو رجل بسيط ووضعه المالي أعتيادي ويقوم بتموين بيت شاكر الجنابي(بالدين) الى آخر الشهر، وعندما سألوه عن السبب قال لم أتذكر برجوازيا مستغلا غير(الحجي)فهتفت ضده مطالبا بتصفية (احتكاراته وكارتلاته المالية) ،وقد عاتب البقال والد شاكر الذي وبخه كثيراً على(موقفه السياسي المتطرف).
.يروي لي الدكتور شاكر ان السنوات مرت وانهى الكلية الطبية وذهب الى نيويورك للتخصص في امراض القلب وعاد طبيباً نطاسيا وفتح عيادة في منطقة الباب الشرقي،وفي أحد الايام دخل عليه رجل كبير في السن يشكو من أمراض عديدة ورجا من الدكتور إعطاءه تقريراً طبيا ليحيل نفسه على التقاعد،وعندما تردد الدكتور في تلبية طلبه: قال له هل تتذكرني يا دكتور؟اجاب لا قال: أنا البقال الذي هتفت بسقوطه في المظاهرة وقد أغلقت دكاني بعد افلاسي واشتغلت عاملا في المؤسسة العامة للصناعات الميكانيكية في الاسكندرية وأنا الآن كما ترى تعبان وأريد ان أتقاعد وأرجو ان تساعدني …يقول شاكر لم أشعر بالالم يوماً مثل ما واجهته من تأنيب للضمير فانا اليوم طبيب معروف واستاذ جامعي ولدي بيت فخم وسيارة حديثة،فمن منا البرجوازي؟
تعرض الدكتور شاكر الى مضايقات قبل اكثر من عشر سنوات واعتقل مرة وما ان خرج حتى غادر العراق ليعود طبيباً في المستشفى الذي تخرج منه في نيويورك .لم تنقطع علاقتنا ونتصل ببعض بالتلفون في المناسبات،فسألته عن آخر حادثة وقع فيها(كالعادة)فقال لي ضاحكاً ان زوجته كانت مريضة جداً وأبنته حامل ولديها مشاكل وأبنه متعثر في الدراسة وغيرها من(المنغصات)،وما ان خرج من مبنى المستشفى وكان الشارع مغطى بالثلوج حتى تزحلق ووقع على ظهره،فنظر الى السماء وقال بالعربية(وبعدين؟) وقد تجمع الناس حوله وهم لا يعرفون بماذا يخاطب السماء وماذا يقول .
تذكرت كلمة(وبعدين) التي أطلقها الدكتور شاكر الجنابي وأنا أقرأ وأعيش أوضاع الوطن وماذا بعدها و
لا أريد هنا مناقشة الموضوع سياسياً والدخول في متاهات الماضي وملابساته ولكني اتساءل ألا يراد للعراقيين ان يكونوا كبقية البشر وقد عانوا اكثر من عقدين بالسفر عبر البر الاف الكيلومترات،والآن يشترون ويأجرون طائرات لاعادة الحياة الى علاقاتهم وتجارتهم …فلماذا هذه الملاحقة (الزايدة) عن حدها؟
وأشارك الدكتور الجنابي بالتوجه الى السماء والقول : وبعدين ؟