النحات علي فخور:
خضير الزيدي
ما الذي يتوجب علينا، أن نفعله ،حينما نشاهد أعمالا نحتية معاصرة ،تحاكي الإرث القديم . وتأخذ مكتسباتها المعمارية ضمن اكتشافات تعيد إنتاج فن النحت..؟ .سنكون أمام خيارين إما العودة لقراءة تاريخ النحت القديم بشكل يجعلنا نفهم خصائصه الجمالية والتشكلية وإما أن نرتهن لقراءة النظام الصوري الجديد وهو يعيد توظيف تلك الجذور الفنية القابعة في تاريخ المكان ،وبالنتيجة سنكون عند مدونة بصرية تلزمنا أن نعي مقومات النحت وتحولاته البنائية والتعبيرية وما يستدعيه الاشتغال من مميزات جديدة ،وفي كلا الحالتين نتطلع إلى بواعث العمل وتنويعاته الحسية ومحاولات بسط انبثاقه التعبيري أمام عين المتلقي وبما أن الخطاب الجمالي للنحات علي فخور يستمد معاينته البصرية من تاريخ الشرق القديم وفنونه واتجاهاته فأمر التشابه والمحاكاة وإغراءات التوظيف البنائي ستكون في خط بياني ثابت يتصاعد بقابلية ذلك التحول الدلالي الذي أنشأته سياقات المنحوتات التي تحاكي شخصية هيلين في ملحمة طروادة وتجسيد أسطورة برج الثور والملك جوبيتير. الذي كان رير نساء وكان يفعل أي شيء لإرضاء محبوبته.. والعودة لتجسيد شخصية بابنيان. السوري الذي صاغ القوانين وأخيرا عمله الموسوم باسم العاصفة والذي يحاكي الواقع الراهن وما تمر به سوريا من مأساة جراء الإرهاب والتكفيريين.
النشأة والتكوين الشخصي
في العام ألف وتسعمئة واثنين وسبعين ولد النحات السوري علي فخور لأسرة تعمل بالزراعة وأهله تواجده المتواصل مع الأرض الزراعية والعيش بين الصخور والحجارة والأتربة أن تستهويه أشكال الحجارة وأحجامها ليتأمل الحجر وطبيعته وجمالة الشكلي وما يطرأ عليه من متغير فاستطاع أن يرى ضمن الحجارة أشكالا ناقصة ومختلفة حسب ذهنيته المتقدة وخياله الجامح فحاول أكمالها بضربها بحجر آخر وتفتيت بعض المناطق ضمن،الحجر نفسه ليكتمل الشكل الذي يبتغيه . فيعيد تعامل تلك المادة ويعطيها تفاعلا صوريا وطابعا مختلفا من الجمال والتفرد واستطاع في مرحلته الأولى أن ينجز أعمالا تجعل معلميه ينتبهون لغريزته وموهبته فأشاروا إليه أن يتقدم نحو معالم النحت بعد أن تعزز خطابه واشتد عوده وأخذته رغبة النحت لتاريخ سوريا والعراق وأساطير الشرق القديم.
العودة للجذور القديمة
في عمله الموسوم بهيلين وهو من الرخام الايطالي بقياس 38 طول وعرض25 وضع لنا المنحوتة وهي تتمتع بجمال فريد وكأنه يعيد لأذهاننا بأنها الأجمل على الأرض قاطبة ولهذا جعل هيئتها التكوينية متطابقة لواقعها الذي وفرته معلومات الأساطير عن طروادة من أنها تتميز بلباسها الشفاف وكان جسدها يشاهد من تحت القماش فاستهوته تلك الأسطورة وقرر تجسيدها بلوحة رخامية… وهو في هذا العمل لا يقارب من فاعلية الخطاب الايروسي ومؤثراته الحسية بقدر ما الفت أنظارنا لبنائها الشكلي فتعاظمت الأنساق التعبيرية لتخلق تداخلا بين الاسم والواقع مع نزعة الهيمنة الأسطورية وهذا ما يجعل التمثيل والمتخيل البنائي لمعالم النحت عند علي فخور تمثل حالات انتماء للحياة وتعكس ركائز الحياة الحية وعمقها التاريخي .الأمر الآخر مع منحوتته الموسومة بالعاصفة… وهي من مادة الرخام الايطالي كرارة بقياس 25/25. فتشير لحساسية التاريخ المعاصر وما تمر به سوريا من حرب ضروس فقد أراد تجسيدها بلوحة لامرأة تتعرض لعاصفة شديدة هذه العاصفة،مزفت ثيابها بينما تحاول بكل،إرادتها وقوتها أن تحمي نفسها وأطفالها .وهو سياق يتأسس على خطابين الأول أهمية الأرض بوحدتها ونظامها الرمزي وقيمتها الاعتبارية والثانية إعطاء المرأة وما مرت به من ويلات نفسية واغتصاب وتدمير لكيانها جراء الإرهاب التكفيري بعدا وقدرة أوسع فبهذا النمط يكون نقل وقائع اليوميات المؤلمة قد تبينت في أعمال نحتية لها منظومتها ومميزاتها مثلما لها قواعدها وأسسها التعبيرية.
الخطاب الجمالي وتمثيل المنحوتات
في هذا المضمار نتوقف عند تساؤل طبيعي مفاده ما الذي يتحقق جراء تلك المنحوتات التي تعيد قيم التاريخ وهويته القديمة ؟ بدءا علينا أن نعرف أن النحات علي فخور قد تمسك بهويته الإنسانية والوطنية وتواصل مع الجذور والأصول التي طالما أكد عليها البنيويون وخاصة من تعامل مع الانثربولوجيا مثل ليفي شتراوس بان الحد الأدنى من تلك الأصول لا يمكن أن يغيب من ذاكرة الجماعة ووعيهم فكيف الأمر مع نحات تلهبه الأساطير ويستجيب لندائها الداخلي ومن ثم يعاود إعادة صياغتها برؤية خاصة يتدارك فيها ما تحمله من شفرات سيميائية تعبر عن تكوين وتدوين يقارب لنا الملاحم والنشأة الأولى مع طرائق الشكل وتواشج التقنيات التي يؤكدها هذا النحات بكل دقة ليجعل من أعماله النحتية تمثلا حيا وأساسا عضويا للتواصل التعبيري واحسب أن علي فخور عبر عن هواجسه وانساق وراء الجمال البصري ليفرض تلك القيمة التعبيرية والوظائفية في إيقاع وطريقة خاصة جعلته أكثر انتماء للفن والهوية معا