جمال جصاني
الترنيمة الأكثر رواجاً عن هذا الوطن المنكوب (العراق) بين سياسيي واعلاميي ومثقفي حقبة التشرذم والتمترس الشوفيني والطائفي والشعبوي الحالية؛ انه من اختراع المغفور لهما (مسترسايكس ومسيو بيكو) عشية رسم خرائط عالم ما بعد الحرب العالمية الاولى، من دون ان يتذكروا الدول والبلدان التي طفحت على جلد الخرائط مثل المملكة الاردنية على سبيل المثال لا الحصر، والتي قال عنها رئيس وزراء بريطانيا الاسبق تشرشل بانه اوجدها بجرة قلم..!على وفق آخر تنظيرات القيح المهيمن على مسرح الخيبة والهذيان الحالية، يعد العراق الحالي كياناً تلفيقياً مختلقاً أوجدته بريطانيا والقوى المنتصرة في الربع الاول من القرن المنصرم. مثل هذا الاكتشاف العبقري الذي يتوهم قدرته الخارقة على طمر ذاكرة وتاريخ وحضارة دونت على رقمها الطينية بواكير التشريعات ودارت على تضاريسها أول عجلة في تاريخ البشر، يتفضل علينا نحن التائهين من سكان هذه المستوطنة القديمة ليلحقنا بدول الجوار على وفق الرطانات والازياء وبوصلة «الهويات القاتلة» لننجو من محنتنا المشتركة؛ العراق.
مخلوقات وقوافل وبيارغ ولافتات سيرصفها التاريخ لجانب القوافل العابرة على تضاريس هذا الوطن القديم من كتل ومفارز الخروف الابيض والخروف الاسود وما يتجحفل معهم من حملات لا ترى في العراق سوى بستان أو حديقة خلفية لنوباتهم المسعورة. ليس هناك ادنى شك حول الخطر الجسيم الذي يحيق بوجوده اليوم، حيث تدحرجت الاوضاع فيه الى الهاوية التي لا رجعة منها، بفعل الهجمة الشرسة والشاملة والمنظمة التي شنت عليه من مختلف الاطراف والجبهات المحلية والاقليمية والدولية، حملة اندفعت لمآربها الآسنة على صهوة «احصنة طروادة» المدججة بترسانة هائلة من القذائف الديماغوجية التي صبت حممها على ما تبقى من شتات الدفاعات الوطنية المتناثرة من الفاو لزاخو.
غرائبية المشهد تتجلى بالاحتفاء الجمعي والضمني لما اجترحته الغزوة الأخيرة لرمح الهمجية المشبوه (داعش)، حيث الجميع متفق على خارطة جيوسياسية جديدة للعراق على وفق معطياتها وفتوحاتها العسكرية والدعائية، اي ترنيمة عراق ما بعد 10 حزيران من عام 2014. حصاد التشرذم هذا هو ما حذرنا منه مراراً، عندما انكمشت الهوية الوطنية العراقية الى الحد الذي قلت فيه قبل أكثر من عامين: (ان تكون عراقياً يعني ان تكون منبوذاً)، إذ نجد انفسنا وغير القليل ممن لم يتلوث بوباء الكراهة للعراق والعراقيين، نقف كالايتام عند مائدة اللئام من قراصنة وحيتان هذا الزمن الأغبر، حيث ينحر أجمل واقدم البلدان.