حفلات التخرج الجامعية في العراق: تكاليف وبهرجة وخريجون بلا تعيين

وداد إبراهيم
يُعدّ يوم التخرج نهاية مشوارٍ دراسي طويل وبداية لمرحلة جديدة، وكان هذا اليوم يُحتفى به في الجامعات العراقية العريقة ضمن أجواء حضارية راقية، تحولت اليوم إلى مجرد ذكرى تكاد تغيب عن الذاكرة الجمعية. لم تكن حفلات التخرج مجرد مناسبات احتفالية، بل كانت رمزًا للفخر والإنجاز، حيث يرتدي الطلبة الروب الأسود اللامع، وترفرف القبعات المربعة في الهواء وسط مشاعر مختلطة من الفرح والاعتزاز.
كانت حفلات التخرج في جامعتي بغداد والمستنصرية من أروع التقاليد الجامعية، ولم تكن مجرد احتفالات، بل كان يطلق عليها “يوم التخرج”، حيث كانت تقام داخل أسوار الجامعة في أجواء أكاديمية مميزة. إلا أن هذه الاحتفالات تحولت في السنوات الأخيرة إلى مناسبات ذات طابع تجاري وبهرجي، مما أثار جدلاً واسعًا بين الأوساط الأكاديمية والمجتمعية.
في منطقة باب المعظم، حيث تتركز المكتبات ومتاجر المستلزمات الجامعية، يقول أحد باعة الأرواب الجامعية:
“تحوّلت حفلات التخرج إلى تجارة كبيرة، فهناك محلات متخصصة ببيع الأرواب والقبعات والربطات، إلى جانب خدمات أخرى مثل حفر الأسماء على الحجر والنحاس. كما ظهرت شركات متخصصة بتنظيم الحفلات، مما جعل هذا القطاع سوقًا مزدهرًا، خاصة في شارع المكتبات ببغداد.
تقول المدرسة الجامعية علياء سعيد:
“يبدأ التحضير للاحتفالات قبل امتحانات نصف السنة، حيث تنشغل الطالبات بتنسيق أزيائهن، والتي يجب أن تكون موحدة من حيث اللون والتصميم، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى مثل الأحذية والإكسسوارات. كما تتوجه العديد من الطالبات إلى مراكز التجميل صباح يوم الحفل للحفاظ على إطلالة مرتبة. إلا أنني أرى أن هذه المبالغة جعلت من حفلات التخرج مجرد تهريج، خاصة مع الأغاني والأهازيج الصاخبة التي ترافقها.
أثارت حفلات التخرج في السنوات الأخيرة جدلًا واسعًا بسبب ما تتضمنه من رقص وغناء وأزياء يرى البعض أنها دخيلة على المجتمع العراقي. فقد باتت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمقاطع فيديو تُظهر الحفلات وكأنها أعراس شعبية، مما دفع الجامعات إلى اتخاذ قرارات صارمة. وأعلنت بعض الجامعات منع الرقص في ساحاتها، مؤكدة أن الجامعة مكان مقدّس لا يجوز تحويله إلى ساحة احتفالات صاخبة.
كانت حفلات التخرج في العقود الأولى من تأسيس الجامعات العراقية، مثل جامعة بغداد (1957) والجامعة المستنصرية (1963)، ذات طابع رسمي يُقام داخل القاعات بحضور الأساتذة وعائلات الطلبة، متضمنة كلمات رسمية لرؤساء الجامعات وتوزيع الشهادات في أجواء أكاديمية رصينة. ومع مرور الوقت، بدأت هذه الاحتفالات تأخذ طابعًا أكثر تنوعًا، حيث أضيفت إليها فقرات ترفيهية مثل العروض المسرحية والغنائية، إلى جانب فتح مساحات مفتوحة للاحتفال.
وفي التسعينيات، تراجعت الاحتفالات بشكل ملحوظ بسبب الظروف الاقتصادية والحصار المفروض على العراق، مما دفع بعض الجامعات إلى إلغاء الحفلات الرسمية أو تقليصها إلى تجمعات صغيرة داخل القاعات الدراسية. ومع ذلك، استمر الطلبة بتنظيم احتفالات خاصة بجهودهم الذاتية.
وتبقى حفلات التخرج في العراق علامة فارقة في حياة الطلبة، إلا أن التحولات التي طرأت عليها تثير تساؤلات حول مدى الحاجة للحفاظ على الطابع الأكاديمي لها، بعيدًا عن المبالغة والتكاليف الباهظة التي باتت تثقل كاهل الطلبة وأسرهم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة