قانون الاستثمار والحاجة الى التقييم

سلام مكي

غالبا ما تشرع القوانين لأجل معالجة ظاهرة اجتماعية أو إدارية معينة، أو لغرض استحداث مؤسسة أو دائرة، أو لتصويب وضع قائم. والكل يعلم، أن النظام السابق، ترك البلد يعاني من تردٍ كبير في البنى التحتية، مع نقص في كل شيء، لدرجة أن تولي الدولة بمؤسساتها المعنية، مسؤولية الاعمار والبناء، وتلبية الحاجة المتزايدة من الخدمات الأساسية، والسعي لمعالجة مشكلة أزمة السكن، دون وجود جهة أخرى ساندة وهي القطاع الخاص، أمر بغاية الصعوبة، خصوصا وأن الحاجة للسكن، يقدر بملايين الوحدات السكنية، وفي مختلف المحافظات. لذلك، تتبه المشرع، الى ضرورة وضع قانون خاص، بتنظيم عملية الاستثمار في مجال السكن، وباقي المجالات الأخرى، كالمصانع والأعمال التجارية الأخرى، فكان تشريع قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل، هو البذرة الأولى في استحداث التشريعات التي تعنى بالاستثمار الذي يعني ببساطة، تولي القطاع الخاص، عبر أفراد أو شركات استثمارية متخصصة، بناء وتشييد مشاريع استثمارية كبيرة، على أراض عائدة للدولة، حسب التخطيط العمراني، وما تعلنه هيأة الاستثمار التي تأسست بناءً على هذا القانون، من فرص استثمارية وبمختلف المجالات. وحديثنا عن جانب السكن في المشاريع الاستثمارية، لكونها المشاريع الأبرز، والأكثر أهمية وحاجة في الوقت الحاضر. ولأن المشرع تنبه الى وجود خلل في القانون رقم 13 لسنة 2006، فقد جرى تعديله بموجب القانون رقم 50 لسنة 2015 المعدل، اضافة الى تعديل نظام بيع وإيجار عقارات وأملاك الدولة، بموجب النظام رقم 6 لسنة 2017.

وبسبب هذا القانون، صرنا نشاهد المجمعات السكنية في مختلف مناطق بغداد، وأصبحت الأماكن التي كانت فارغة الى مناطق تنبض بالحياة، في مشهد لم يكن مألوفا بالنسبة للبغداديين، حيث أن المباني الشاهقة، لم يروها إلا عبر شاشات التلفزيون، لكن اليوم، أصبحوا يجاورون بنايات وعمارات شاهقة. ورغم ما تضفي تلك البنايات من جمالية على المدينة، وتؤشر تطورا ملحوظا في العمران والبناء في بغداد، فإننا نتساءل عن سبب الاقتصار على المشاريع السكنية دون غيرها من المشاريع! صحيح أن أزمة السكن، تكاد تغطى على باقي الأزمات، لكن هنالك مشاريع أخرى، أيضا مهمة، وتحتاج الى اهتمام أكبر من قبل المستثمرين. وبالعودة الى نظام بيع وإيجار عقارات وأملاك الدولة رقم 6 لسنة 2017، نجد أن المادة 4 أولا نصت على تمليك المستثمر الأرض المخصصة لإقامة المشروع الخاص بالسكن، يكون بقيمة 10% من قيمة الأرض، أي أن الأرض التي قيمتها مليار دينار مثلا، ستملك للمستثمر بقيمة 100 مليون دينار فقط! وهذا الشيء، وضع كنوع من أنواع الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة للاستثمار، بصورة عامة، اضافة الى التسهيلات التي نص عليها القانون كالإعفاء من الرسوم والكمارك، بالنسبة للمواد الأولية التي يتم استيرادها لصالح المشروع. ولأن المستثمر يتملك الأرض بـ 10% من قيمتها، هنا نتساءل: ألا يفترض بالمستثمر أن يأخذ بنظر الاعتبار تملكه الأرض بتلك القيمة، حين يقوم بوضع أسعار للوحدات السكنية؟ ثم إن قيام المشرع بوضع تلك النسب في النظام، يعني دعمه للمواطن لا للمستثمر، على اعتبار أن تلك المشاريع، يجب أن تساهم في حل أزمة السكن، وتوفير مساكن تليق بالمواطن العراقي، كما أن الأراضي العائدة للدولة والتي تقوم بمنحها للمشاريع الاستثمارية، هي بالأصل ملك للمواطن العراقي أصلا، وهذا ما يستدعي أن تكون الوحدات السكنية، تباع للمواطن بأسعار مناسبة، تتوافق مع ما يحصل عليه من دخل سنوي أو شهري، لكن ما نشاهد وللأسف هو العكس، حيث أن الأسعار التي تباع بها تلك الوحدات السكنية، وفي أغلب المجمعات السكنية، سواء في بغداد أو غيرها من المحافظات، مرتفعة جدا، ولا تتناسب أبدا، مع إمكانيات المواطن العراقي. عليه، لابد من مراجعة شاملة للاستثمار في مجال السكن، ولابد من تقييم القانون، والنظام الذي تم وضعه بناءً على القانون، وبيان مدى نجاحه أو فشله في تحقيق ما شرع لأجله.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة