حبيبة المحرزي تونس
المعادل الموضوعي في قصيدة تضاريس الخوف.
إذا كان الشاعر يعيش حالة نفسية متوترة يسميها الخوف والريبة من حاضر مريع مرعب، وسعيا منه لسكب همومه في معادل آخر معروف معلوم ليعطي مساحة أكبر للتعبير عن هذا الاضطراب والخوف الباتّ.
بداية بالعنوان الذي مثل حاضنة لمحتوى القصيدة من مشاعر وأحاسيس وحالات توتر وتفجع يعيشها الشاعر.
فالخوف الذي يتمكن من الذات ببعدها النفسي المزدحم بالتصدعات والمآسي، يأخذ صورة الأرض وتضاريسها وتشعباتها لينزاح عن الذات إلى ما هو أبعد وأشمل فالخوف ثابت في جزء من كلما يخص الارض والتي تصبح معادلا موضوعيا لتوترات الشاعر النفسية وتداخل همومه.
الاستهلال من جنس العنوان الشامل العامل على تهيئة هذه التضاريس وتفصيلها.
وفق الخوف الذي تعيشه “الأنا” وإذا كان “الجبل الابيض” المادي المحسوس معادلا لخوف الشاعر من البياض والثلوج لأن النتيجة مأساوية بأضرار ثابتة :
“تسحقني، تدمي” إذن فالبياض ليس جمالا وإنما قبحا يصل حد الجريمة.
والشاعر ليتخلص من الحاضر الغائب يتخذ من “سانتا كروز” القديس برمزية صليبه المقدس بكل خصوصياته “هداياه” و “فانوسه الاغريقي” صورا من التاريخ يسقطها على وضعه الحاضر المرتبك المتوتر بأزمنة وأمكنة وأحداث ومشاعر تحيل المتلقي على وضعية ال”الأنا” المتوجسة من بعض التضاريس. ليكون الشحرور الغبي معادلا من الطبيعة تجرد من صفته الأصلية المقترنة بالجمال ليتحالف مع “الضفادع” في تحالف مشين قوامه الغباء والإيلام.
والشحرور هو قناع يضعه الشاعر ليلبسه كل أمارات الغباء والمكابرة والنفاق. وليتخلص من حالة الرفض يأخذ الآذان كمعادل ديني ترتيبي يصنف الأنا وفق علامات التدين أو الرفض بتعيين المكان كانتماء جغرافي يحدد الأصل والموطن والمنشأ
والصورة المنقولة “لا اذان لا ريش” تحيل المتلقي على التعري المضاف إلى الخوف من “انهيار الحضارات”.
الشحرور معادل موضوعي للشاعر الذي يعبر عن ذات مضطهدة مفقرة مجرمة في حق “لاجئ” .
واللجوء حركة أو هو حدث ناتج عن خوف وعنف سابق. لتكون شراسة الأنا في التنمر على اللاجئ بسبب “سجائر وول ستريت” ماركة عالمية محبذة مرغوبة كناية عن سلبية الأنا اللاهثة خلف كل ما هو مستورد وإن كان ضارا.
تحضر الأوديسة كوصف للصحراء وكمعادل موضوعي للملحمة الأدبية اليونانية القديمة لتترجم الصراع والتناحر والتحارب وانتشار الظلم.
واستحضار رموز بشرية وحيوانية لينسب من الذاتية المفرطة في القصيدة.
وقد يكون الطلب “دثريني” و”المحراب” معادلا موضوعيا مضمنا يرتقي بوضعية الشاعر الى منزلة القداسة بمفهومها الديني ليحضر “المغول” كمعادل موضوعي للتخريب والتدمير المتوافق مع الحاضر المضرج بالزحف على رموز دينية “برج بابل ” الذي يعزى إلى نوح و”كنيسة العذراء” التي ذكرت في التوراة والإنجيل.
غير أن الشاعر وإن حاول أن يجد معادلات موضوعية تجسم ما يمر به من خوف وتوجس، فإنه قد تدرج إلى تفسير الاسقاط والتصريح بلبّ المشكل الذّاتي في مقطع سردي ثابت “انتبهت…اختلي…الفصل الأخير ..يميني.. يساري”
ليكون للبحر حضور ربما لا”حرقة” والجثة مثلت النهاية الصادمة التي تتشعب معاناتها وتتضخم آلامها بقناع الارض وتضاريسها والتي لم تكن الا معادلا لجثة مضرجة بالآلام والأوجاع والمآسي..
بإبعاد الذات عن الفكرة وترجمة تلك الأحاسيس عبر المعادل الموضوعي بصورة فنية ليصبح الانفعال الذاتي واقعا مرئيّا مسموعا.
قصيدة نثر حداثية ضجت بالصور الشعرية للتعبير عن كمّ من التوتر والصراع الباطني والخارج عن نطاق الأنا المعذب.
قراءة نقدية في قصيدة “تضاريس الخوف ” لـ حسن أجبوه
التعليقات مغلقة