فريدريك لوموان
ترجمة: محمد إبراهيم الفلاح
كان تانج عاملًا بسيطًا في إحدى ممالك الشرق وَكان ماهرًا في صُنع الأواني المنزلية من النُحاس التي كان يبيعها في السوق. كان دومًا يشعر بالرضا عن حياته والسعادة لما منحهُ القدرُ إياهُ وَفي الأخير مُعتَدًّا بِشخصيتهِ للغاية. كان لا يرجو شيئًا في هذه الحياة الدنيا سوى أن يعثرَ على نِصفِهِ الآخرَ.
وَذاتَ يومٍ، جاء رسولُ الملك إلى السوق لِيعلنَ على رؤوس الأشهاد أنَّ الملك تحذوه الرغبةُ في أنْ يُزَوِّجَ ابنتَهُ من شابٍّ تكونُ له الغلبة على أقرانهِ في شعوره بالاعتداد بِنفسهِ.
وَفي اليوم المحدد، ذهبَ تانج إلى القصر ليجدَ نفسَهُ مُحاطًا بالمئات من شباب المملكة الطامحين في الزواج من الأميرة.
وجاء الملكُ ونظر إليهم نَظرةً خاطفة، ثُمَّ أمرَ حاجِبهُ أنْ يُعطيَ كُلَّ واحدٍ منهم خمسَ بُذورٍ من بُذور الورود وبعدها طلب منهم أن يعودوا إليه في فصل الربيع القادم وَفي يدِ كُلِّ واحدٍ منهم الأصيصُ الذي أُعطيَ لهم قبل قليل.
وَعلى الفور شرعَ تانج في زراعة تلكمُ البُذور واعتنى بها أيما اعتناءٍ… وَلكنَّ شيئًا لم يحدُثْ. فلم يحدثْ أن صارت تلك البذورُ فيما بعدُ لا بُرعمًا، وَلا أزهارًا وَلا أوراقًا. وَفي الموعدِ المحدَّدِ، أخذ تانج أصيصهُ الفارغ وَذهبَ إلى القصر.
كان كُلُّ واحدٍ منَ المتقدمينَ للزواج من الأميرة يقفُ وَبينَ يديهِ أصيصٌ تَخطُرُ في داخله الورودُ الزَّاهيةُ وَكانوا جَميعًا ينظرون إلى تانج نظرَةَ سُخريةٍ منه وَمن أصيصهِ الفارغِ.
وَفي تلكَ اللحظة أمرَ الملكُ أن يمرُّوا من أمامهِ تِباعًا لِيُرِيَهُ كُلُّ واحدٍ منهم جمالَ ما زَرَعَ وَبهاءَ ما صَنَعَ.
ثُمَّ جاء الدور على تانج الذي تقدَّمَ نحوَ الملكِ والخوفُ يَفُتُّ في عَضُدِهِ وَهو يقول: “الحَقُّ أنهُ لم تَنبتْ واحدةٌ من البذورِ الخمس التي أعطيتَني إياها جلالةَ الملك.”
فَأجابهُ الملكُ قائلًا: “تانج، ابقَ هنا إلى جُواري!”
والحقُّ أنه وَبعدَ أنْ مَرُّوا جميعًا من أمامه، أذِنَ لهم الملك بالانصراف، إلا أنَّهُ استبقى تانج إلى جوارهِ.
وبعدَها أعلن للجميع في المملكة أنَّ مراسمَ زواجِ ابنتِهِ من تانج ستكون بحلول الصيف القادم.
كان حفل الزواجِ أسطوريًّا. وَمع مرور الأيَّامِ، أصبحت الأميرة تهيمُ عشقًا بتانج الذي لم يكنُ أقلَّ منها حُبًّا وَهيامًا. الحَقُّ أنَّ الاثنين عاشا في سعادة غامرةٍ.
وَفي أحدِ الأيَّامِ، سألَ الزَّوجُ حَماهُ المَلكَ قائلًا: “جلالة الملك، كيف تسنى لك أنْ تختارني زوجًا لابنتك في حين أنَّني كُنتُ أنا الوحيد الذي كان أصيصهُ فارغًا وَلم تُزهرْ واحدةٌ من البذور التي أعطيتَها إيايَ؟”
فردَّ عليه الملكُ قائلًا:
“ذلك أنها ما كان لها أن تنبتَ أو تُزهرَ أبدًا، فقد أمرتُ بوضع كل البذور في الماء المغليِّ طوال الليلِ.
وَهـكذا، كنتَ أنت الوحيد الذي كان لديه اعتدادٌ كافٍ بنفسهِ واحترامٌ مطلقٌ للآخرين منعاكَ من الكذبِ على نفسك، وَمن ثَمَّ عليَّ وَعليهِم. إنَّ مِثلَ هذا الرجُلِ هو من كنتُ أريدُهُ صِهرًا وَأقبلُ به زَوجًا لابنَتي.”