وداد إبراهيم
نعم، اختفت دور السينما في بغداد بعد أن كانت تتمتع بمكانة مرموقة وحضور قوي في حياة العائلة العراقية، وكانت مساحةً للمتعة والترفيه الحقيقي. وما زالت أماكنها حتى الآن شاهدةً على ذلك الزمن، وإن أصبحت بعض أبنيتها موحشة وتحولت بعضها إلى مخازن، والبعض الآخر إلى محلات نجارة. شيدت هذه الدور في أماكن رئيسة من بغداد، مثل شارع السعدون حيث سينما بابل والنجوم وسميراميس وأطلس، وبالقرب من ساحة الطيران حيث كانت سينما غرناطة.
قدمت هذه الدور لأكثر من نصف قرن أروع الأعمال السينمائية من الأفلام الأميركية والعربية والهندية التي عاشت في الذاكرة الجمعية حتى الآن. أصبح للعديد من العوائل والشباب شغف في متابعة أفلام أبطال محددين أو أفلام رومانسية، كوميدية، حركية، وتاريخية، وأفلام الكاوبوي التي كانت محط إعجاب للكثيرين لما تحتويه من معانٍ وقصصٍ حقيقية، والتي عرفت المشاهد بالحياة الشاقة للرجل الأميركي.
شعرت بسعادة حين أخبرني أحد عشاق الأفلام عن أجواء السينما في ذلك الزمن؛ حيث كان بعض عشاق الأفلام الرومانسية يدخلون لمشاهدة الفيلم مرارًا حتى يحفظوا الحوار ويرددوه مع البطل وكأنهم جزء من القصة. وكان البعض حين ينتهي الفيلم يشغل وقته بالتجول في شارع السعدون أو بتناول المرطبات منتظرين “الدور الثاني” ليعودوا لمشاهدة الفيلم للمرة الثانية أو الثالثة، ويستمتعون بالمشاهدة والتفاعل مع الفيلم، حيث كانوا يأتون للسينما من أجلها، ويعرفون أسماء الأبطال ويتابعون أفلامهم.
كان الجمهور العراقي يحرص على مشاهدة أفلام مستوحاة من روايات عالمية مثل “مرتفعات وذرنك”، “اللقلق”، “ذهب مع الريح”، و”الشيخ والبحر”، وكذلك الأفلام العربية التي كان لها جمهور واسع من العوائل والشباب. نعم، انتهى عهد هذه الدور ولم تعد تحتل ذات المكانة، وهذا الجمهور المثقف قد اختفى، حتى وإن وُجدت دور سينما في المولات كمول المنصور وبغداد، إلا أن الجمهور الذي يرتادها الآن هو جمهور المصادفة؛ زائر المول الذي يأتي للمول للتبضع أو مرافقة اطفاله للألعاب وقد يدخل السينما إن صادف وجوده عرض فيلم، أو قد يتخطاها دون اهتمام.