-1-
اذا دار الأمر بين خيارين :
الأول : أنْ تكتب ذكرياتك عن نفسك بنفسك .
والثاني : ان يكتب عنك غيرك
فالخيار الثاني هو الأفضل ، ذلك ان الحديث عن النفس قد لا يكون دقيقا كما يجب ، وقد تشوبه بعض الشوائب لصعوبة التزام الموضوعية في تلك الكتابة .
-2-
وكاتب السطور – طولب من قبل ثلة من الاعلام – ان يكتب مذكراته بنفسه واعتذر عن ذلك لاسباب عديدة منها :
مصادرة السلطة الغاشمة البائدة لبيته بكل ما فيه ، وأهم ما فيه مكتَبَتهُ العامرة بالمطبوعات والمخطوطات وجميع وثائقه ومستنداته ..
ومنها امتعاض الكثير من الأشخاص والجهات من الاشارة الى السلبيات والمواخذات التي تكتنف مواقفهم ..!!
انّهم يُريدونَكَ أنْ تُلمّع صورهم ، ولا يتم ذلك الاّ بانتهاك حُرمة الحقيقة..!!
وهذا ما لا يرضاه المنصفون .
ومنها إنّ تنقله في المَهاجِر بين عدة دول أفقده القدرة على الاحتفاظ بالأضابير التي تضمنت أورَاقها الكثير مما يجب أنْ يُذكر عند تدوين المذكرات …
الى اسباب أخرى يطول بنا المقام اذا أردنا ذكرها بالتفصيل .
-3 –
أصدر عنا الاستاذ الدكتور أحمد عبد المجيد – حفظه الله – كتابا اسماه :
( حسين محمد هادي الصدر منبر تنويري نهضوي )
كتب مقدمته في 25 نسيان / 2021 وطبع قبل أسابيع ببغداد
كما نوقشت صبيحة الأحد 11/7/2021 رسالة تقدم بها الباحث ستار جبر كاظم الحجاج الى مجلس كلية الآداب – جامعة بغداد لنيل درجة الماجستير وقد نالها بدرجة جيد جداً عالي وكانت بعنوان :
( حسين محمد هادي الصدر نشاطه السياسي والفكري )
باشراف الاستاذ المساعد الدكتور اسماعيل طه الجابري
ناهيك عن المقالات التي كتبها عنه العديد من أعلام الفكر والأدب والثقافة والاعلام، أمثال الدكتور ابراهيم العاتي ،والدكتور محمد فلحي الموسوي، والدكتور السيد مهند جمال الدين، والباحث الاكاديمي الاديب الرسالي الاستاذ السيد محسن الموسوي …
وآخر ما وصلنا من هذه الكتابات مقالة قيّمة للاستاذ الدكتور السيد جابر الجابري الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة العراقية، وهو ممن جمع البراعة في الشعر والنثر ،وله موقعه العالي في دنيا الفكر والأدب والنضال ، واعتزازا منّا بهذه المقالة القيّمة نُورِدُها بنصها الكامل مع فائق الشكر والتقدير لأخ كريم وصديق عزيز دوّن شهادته وانطباعاته الحسية عن كاتب السطور واليكم المقالة :
صوت الإمام
في العام 1980 كنت أؤدي صلاة العيد في مقام السيدة زينب بدمشق وهو أول عيد يمرّ علية في رحلة الاغتراب التي دامت ربع قرن كانت مشاعر الوحدة والبعد عن البيت والاسرة تزداد حدة ومرارة وقسوة لم تخففها الا نبرة صوت الامام الذي اقام الصلاة ثم راح يرتجل خطبته البليغة المؤثرة التي تخطف القلوب وتضبط ايقاعها وتهّدئ من روعها وتسحب عذاباتها وآلام غربتها وحزنها على فراق أهلها وبلدها كان هذا الصوت لسماحة السيد حسين الصدر وهو يقف امام المصلين خطيباً مفوهاُ بارعاً وكان هذا هو اللقاء الاول به .
حين يبتدئ اللقاء بالعيد تكون سعادة اللقاء بسعادة العيد نفسه، حين تجد في غربتك ظلاً يقطر عطراً تلوذ به ليحميك ويأويك مِنْ لهب الغربة والبعد عن الاحبة، تكون قد اكتشفت كنزاً لا يخطر على بالِكَ
امتدت الايام والاشهر والاعوام ونحن ننتقل من ارض الى ارض ومن بلد الى بلد ، ومن منفى الى اخر يبعد بعضنا عن بعض ويجمعه به احياناً بما يشبه الطيور المهاجرة في سماوات الله التي لا يكاد بها فضاء الا اتسع لها فضاء اخر من دمشق الى بيروت ومنها الى طهران ومن طهران الى مدن الضباب والغياب، نجوب الميادين والازقة والارصفة والدروب البعيدة تحملنا السهول والجبال والبحار والافاق وتقذفنا حدود الى حدود ومطارات الى مطارات مجهولة لم يستقر لنا ركاب ولم تحط لنا رحال وفي كل هذه المسيرة الطويلة كان وجه السيد حسين الصدر يطل ويغيب تزداد شوقا الى لقاءاته والارتماء بين يديه فيزيح عنا غبار الوحشة ويمسح عن قلوبنا حزنها السرمدي بابتساماته وفكاهته ولطافته وادبه الجم الذي ينضح من خزينٍ هائل من المعرفة والعلم والادب والشعر حيث يلتئم الماضي مع الحاضر بوعود المستقبل التي نكاد نلمسها بين ثنايا
كلماته المرصوفة كحبات اللؤلؤ في بطون المحار على شواطئ البحار لم تكن مناسبة او تجمع او اجتماع للمعاضة العراقية الا وكان صوته يهدر في منصاتها ومنابرها ولم يكن لقاء من لقاءات الاحبة والاصحاب والاخوان والاصدقاء الا كان زينة المجالس وكوكبها الدري الذي يكاد يضيء باجمل ما تنطوي عليه بمهارات الحب والدفء والود النبيل .
دخل هذا الرجل الى سويداء قلوبنا قاسمنا ملحنا وخبزنا وهمنا وحزننا وفرحنا النادر فوجدناه اخاً ومعلماً مربيا ودليلا الى مواطن الايمان والاستحقاق والعدل الذي اوقف نفسه على اقامتِهِ دخل مجتمعه العراق المهاجر فصنع منه مجتمعا حضاريا راقيا يكاد يكون مثلا في المجتمعات الكبيرة التي يتعايش معها حتى وان اختلفت معه في الانتماءات والاعراف والتقاليد فكان ( منبره ) صوتا مدويا في مدينة الضباب وكان حضوره البهي صدى لاسرة زقت العلم زقاً وقدمت الشهداء العظام والقادة الكبار والعلماء والفضلاء والاساتذة ليشكل امتداد لها في مساحات الاغتراب وحين اذن الله بسقوط الصنم ، وانقشاع كابوس الفاشية البعثية كان من اوائل العائدين الى تراب وطنه والى مرابع شعبه المنكوب كان اسرع المنفيين عوداً الى مسقط رأسه ومنبت عوده ومنار عزته وشرفه العربي الهاشمي العراقي وكان صوته في الملتقى الاول لأعيان العراق بحضور القيادات الامريكية هو الأبرز والأعلى حين خاطبهم بالحرف الواحد : انكم ساعدتمونا على أسقاط الفاشية وادواتها الحاكمة لكن ذلك لا يبيح لكم البقاء على تراب العراق .
ولعله أول صوت يدخل مسامع القوات الامريكية وحلفائها مطالباً اياهم بالرحيل ثم اندفع هذا الصوت الصدري الى أذان شعبه كما آذان الفجر يوقظهم ويصحيهم وينبهم من الاخطار المحدقة بهم داخلياً وخارجياً لا تأخذه في الحق لومة لائم ولا تمنعه حواجب وحواجز من نشره الحقيقة والبوح بها لانه الرائد الذي لا يكذب أهله فكانت المواقع والمواقف تفخر
به ، والمريدون وطلاب العلم والادب والمعرفة يتحلقون حوله ويتابعون حركاته وسكناته حتى فتح لهم صدره في مجلس الصدر الثقافي الادبي .
الذي تحول الى محجة لكل ذي بصيرة ينهل من أدبه وعبقريته وحكمته وسعة افقه ما يجعله زاده الغني في دنياه وآخرته .
د. جابر الجابري
5/7/2021
حسين الصدر