سلام مكي
بمجرد الاعلان عن وفاة الشاعرة لميعة عباس عمارة في منفاها، توالت رسائل التعزية والبرقيات التي تذكّر بمكانة الشاعرة ودورها في رفد الشعر العراقي بقصائد مغايرة ومختلفة، تلامس روح الانثى، العاشقة والمتمردة على واقعها، والرافضة لكل أشكال التطرف ومحطمة قيود الخوف والتابوات.. رئيس الوزراء مثلا، وجّه بالتواصل مع عائلة الشاعرة وتقديم أي دعم أو تسهيلات مطلوبة، ووفق رغبتهم!! وزير الثقافة وجّه هو الآخر بطبع الأعمال الشعرية للراحلة طباعة فاخرة تليق باسمها!! والسؤال هنا يرد: لماذا لم يوجه رئيس مجلس الوزراء بالتواصل مع عائلة الشاعرة في حياتها؟ ولماذا لم يوجه وزير الثقافة دار الشؤون الثقافية بطباعة أعمال الشاعرة طباعة فاخرة وهي على قيد الحياة؟ إن ما يقدم للشاعر في حياته من دعم، يساوي عشرات المرات ما يقدم له بعد موته، وشاعرة بمكانة لميعة، لا تحتاج شيئا من الحكومة، سوى ما يجعلها تشعر بأن ما قدمته في حياتها وما وصلت إليه من مكانة، هو محل تقدير واحترام من قبل الحكومة، ما تحتاجه هو الشعور بمكانة تليق بها، في بلد لا يظلم مبدعيه فحسب، بل يقتلهم! واهمال المبدع، أقسى وأشد من القتل! فهو موت بطيء وقتل مستمر..
بالأمس رحلت لميعة، وسقطت معها نخلة فرعاء، تركت خلفها مساحة جرداء، استحالة تأثيثها مجددا، تلك الانثى التي جعلت من الشعر انثى جميلة، يتمنى الجميع قراءته والتمتع بمفرداته التي تبعث الدفء والبهجة في نفس من يقرأه. وإذا كانت خارطة الشعر العراقي، مليئة بالشعراء، فإن الشاعرات أقل من أصابع اليد الواحدة، ولعل لميعة مثّلت إلى جانب نازك، صوتا متفردا، ونادرا وسط الأصوات الذكورية. وبقدر ما عشقها أغلب من عاصرها من الشعراء، بقدر ما عشقت هي العراق، وعشقت الطين والماء، اللذان شكلا في يوم ما، حضارة عظيمة، منحت الانسانية علوما وفنونا لازالت مؤثرة الى اليوم. الفراغ الذي تركته لميعة، كبيرا والخسارة التي مني بها الشعر العراقي فادحة، ولا يمكن تعويضها على المدى القريب، فلميعة، ليست مجرد شاعرة، بل هي ظاهرة شعرية وانسانية، مزج حضورها بين حضارة قوامها الماء والطين، وبين المدينة بترفها وثرائها الجمالي والمعرفي، مزجت بين الروح الانثوية المتمردة وبين التاريخ الموغل بالقدم. فهل سيكون رحيل لميعة دافعا للحكومة، كي تلتفت إلى الذين على قيد الحياة؟ أم إنها ستنتظر موتهم، لتطبع كتبهم وتتصل بأسرهم لتلبية رغباتهم وطلباتهم؟