بغداد ــ الصباح الجديد:
رحلت الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة عن 92 عاما أول أمس الجمعة، وهي تعد من أهم الأصوات الشعرية العراقية.
درست الشاعرة في دار المعلمين العالية مع نخبة من شعراء العراق من بينهم: بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وعبدالرزاق عبدالواحد. وأصدرت مجموعة من الدواوين منها: “الزاوية الخالية” و”عراقية” و”لو أنبأني العراف” و”البعد الأخير”.
ونعى رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، الشاعرة عبر حسابه الرسمي بتويتر “نودّع الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة، في منفاها، ونودّع معها أكثر من خمسة عقود من صناعة الجمال، فالراحلة زرعت ذاكرتنا قصائد وإبداع أدبي ومواقف وطنية، حيث شكّلت عمارة علامة فارقة في الثقافة العراقية، في العاميّة والفصحى. نسألُ الله المغفرة لروحها والصبر لأسرتها الكريمة ومحبيها”.
كما نعى وزير الثقافة حسن ناظم الراحلة عبر برقية جاء فيها: ببالغ الحزن والأسى ننعى إلى الأوساط الأدبية والثقافية رحيل الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة التي تميزت بشاعريتها الشفافة، وعاطفتها الجياشة وحبها العظيم لوطنها وناسها، رغم ابتعادها القسري الطويل عن الوطن، ولقد شكلت صوتاً متفرّداً مع الأصوات الشعرية التي تبنّت موجة الحداثة في المشهد الشعري العراقي.
الرحمة والمغفرة والرضوان لها، ولأهلها وذويها ومتابعيها الصبر الجميل.
كما وجّه الجمعة بطبع الأعمال الشعرية الكاملة للشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة طباعةً فاخرةً تليق باسمها على أن تتولى تلك الطباعة دار الشؤون الثقافية العامة.
وأوعز ناظم إلى دار الشؤون الثقافية العامة بتشكيل فريق عمل يضم كبار الأكاديميين والشعراء لجمع قصائد الشاعرة لغرض نشرها في المجموعة الكاملة.
والشاعرة لميعة عباس عمارة (1929-18 يونيو 2021)؛ شاعرة عراقية محدثة، ورائدة من رواد الشعر العربي الحديث، وتعد إحدى أعمدة الشعر المعاصر في العراق. ولدت في بغداد، وعاشت أغلب أيام غربتها في الولايات المتحدة على أثر هجرتها من العراق في زمن صدام حسين، وتوفيت هناك.
أجادت في الشعر العربي الفصيح والعراقي العامي. حاصلة على وسام الأرز تكريمًا من الدولة اللبنانية لمكانتها الأدبية.
وبدأت الشاعرة كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها منذ أن كانت في الثانية عشرة، وكانت ترسل قصائدها إلى الشاعر المهجري ايليا أبو ماضي الذي كان صديقًا لوالدها، ونشرت لها مجلة السمير أول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها، وقد عززها ايليا أبو ماضي بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الأولى من المجلة إذ قال: “إن في العراق مثل هؤلاء الأطفال فعلى أية نهضة شعرية مقبل العراق”.
كتبت الشعر الفصيح فأجادت فيه كما كتبت الشعر العامي وأجادته كذلك، أحبت الشاعرة لغتها العربية وتخصصت بها ومارست تدريسها فتعصبت لها أكثر دون أن تتنكر للهجتها الدارجة فوجدت نفسها في الأثنين معًا.
كانت ترى في اللغة العربية الفصيحة وسيلتها للتواصل مع الآخرين الأوسع، وقد وجدت في لهجتها العراقية العامية ما يقربها من جمهورها المحلي الذي استعذب قصائدها فتحول بعضها إلى أغنيات يرددها الناس. ومن دواوينها الزاوية الخالية وعراقية ولو أنبأني العراف والبعد الأخير.
ومن قصائدها المعروفة قصيدة “أنا عراقية” بمطلعها لا حيث كتبت هذه القصيدة عندما حاول أحد الشعراء مغازلتها في مهرجان المربد الشعري في العراق حيث قال لها: “أتدخنين.. لا… أتشربين… لا…أترقصين…. لا.. ما أنتِ جمع من الـ لا فقالت انا عراقية”.
إضافة إلى الشعر الفصيح والشعبي، كانت لميعة مهتمة بالتراث الشعبي وفولكلور المندائيين، وقد كتبت مقالات ودراسات عن علاقة اللغة المندائية بالسومرية وعن جذور العامية العراقية من السومرية والأكادية والمندائية التي هي لغة ديانتها وهي تشكيل حروفي ناصورائي آرامي كتبت به كتب الديانة المندائية.
من أعمالها الشعرية: الزاوية الخالية 1960 – عودة الربيع 1963 – أغانى عشتار 1969 – يسمونه الحب 1972 – لو أنبأني العراف 1980 – البعد الأخير 1988 – عراقية.
وقد وصفها الكاتب الفلسطيني سمير حاج في صحيفة القدس العربي في أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي بأنها: “النّورسة العراقية المهاجرة قسراً منذ عام 1978 بعيداً عن العراق المشغوفة به، والسّاكن في أحنائها وأشعارها، هي صوت الشعر العراقي المهاجر إلى أمريكا، المسكون بالوجع والحرقة والحنين، والعابق بحضارة بلاد الرافدين الممتدة في عمق الزمن”.
وأضاف أن: “لميعة شيّدت قصيدة الأنوثة وأضاءتها، في خريطة الشعر العربيّ الحديث، واحتفت بثنائية الجسد والروح وأصبحت الأنا الشاعرة النرجسيّة الجريئة، تثور وتبوح بالمسكوت عنه، متماهية مع كاليبسو الجميلة التي اشتهت أوديسيوس جهراً: «أحتاج إليك حبيبي الليلة / فالليلة روحي فرس وحشية/ أوراق البردى ـ أضلاعي ـ فـتِّـتـها / أطلِق هذي اللغة المـنسـيّـه/ جسدي لا يحتمل الوجد / ولا أنوي أن أصبح رابعة العدوية”.
يؤكد ذلك الناقد العراقي علي حسن الفواز الذي قال إن الراحلة “جزء من ذاكرة القصيدة الجديدة ومن هواجسها بالمغامرة والانفتاح على عوالم نزعت عنها الرتابة والمألوف الشعري، وكانت القصيدة المسكونة بالأنوثة تمثل وعياً جديداُ مثلما تمثل انفتاحاً كسرت معه الكثير من تقاليد الألفة والنمطية”.