بني في العهد العثماني وتعرض للحرق عام 2003
وداد إبراهيم
حين تجتاز ساحة الميدان وسوق الهرج تدخل إلى زقاق فيه أبنية تراثية وأهمها القصر العباسي، ينتهي الزقاق ببناء كبير بأبواب خشبية ضخمة حفر عليها (بيت الحكمة) يحتل فضاءً مفتوحاً وبمساحة واسعة على ضفاف دجلة، ويتصدر المشهد عمل فني يمثل الكرة الأرضية محاطة بعدد من الأيادي للفنان (كمال خالد شلش)، وما أن تفتح الباب حتى تكون أمام بناء كبير بأروقة وممرات وسلالم وقاعات كبيرة وحدائق، إنه أحد كنوز بغداد العمرانية ومن معالمها التراثية وجزء من قائمة مختصرة من النماذج المعمارية الكثيرة التي يجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة، فهي لا تخص أفراداً ولا مؤسسات ولا أي جهة رسمية بقدر ما تخص موروثنا التاريخي، وتخص أهل بغداد والعراقيين بشكل عام.
عدّه المؤرخون أول مدرسة للصناعة في البلاد
مدير الإعلام والعلاقات في بيت الحكمة مظفر الربيعي قال:
بيت الحكمة الحالي تأسس عام 1995، وقد اتخذ مكانه في بناية تراثية بنيت بشكل هندسي غاية في الدقة والجمال المعماري البغدادي الذي يلائم طبيعة الطقس في العراق، هذه البناية تم إنشاؤها في العهد العثماني، وبالتحديد في عهد (علي باشا)، وسميت على اسمه (المدرسة العلية)، لكن أعيد بناؤها في عهد (مدحت باشا)، لتصبح مدرسة للنجارة والحدادة خاصة بالأيتام بعد أن تم تأهيلها لتكون بطابقين مطلين على دجلة، فيها أروقة كبيرة شبه مفتوحة وقد عدّها خبراء التاريخ أول مدرسة صناعية في العراق.
وتابع: هذه البناية لجمال بنائها المعماري وموقعها الجغرافي على نهر دجلة تحولت لتكون قصراً لإقامة الملك فيصل وعائلته عام 1921 حتى توفي عام 1933، ثم أعيد تأهيلها لتتحول إلى مقر (لمجلس الأمة)، ولتكون مقراً لأول برلمان عراقي، ومن ثم اتخذت مقراً للمحكمة العسكرية (محكمة المهداوي) في الستينات من القرن الماضي، وتحولت إلى متحف عسكري في عام 1977، تم تأهيلها بشكل دقيق وجذري وبمستوى عال لتكون مقراً لقصر الثقافة والفنون، حتى عام 1995 إذ صدر مرسوم ديواني بأن يكون في العراق مؤسسة (بيت الحكمة) مرتبطة بمجلس الوزراء، وكان البحث عن مكان يليق ويلائم مهمة (بيت الحكمة) ويكون مركزاً للأبحاث وداراً للترجمة، ومقره ملائم ويمتلك مواصفات تاريخية وتراثية تنسجم مع فكرة بيت الحكمة الذي كان في العراق على العهد العباسي وبالتحديد في عهد أبو جعفر المنصور، فوقع الاختيار على هذه البناية التي تمتلك كل المواصفات الجمالية في الهندسة المعمارية والموقع الجغرافي.
نقدم الاستشارات للوزارات ومجلس الوزراء
وأضاف: (بيت الحكمة) مؤسسة فكرية علمية ذات استقلال مالي وإداري مرتبط برئاسة مجلس الوزراء، ومن مهماته هو العناية بدراسة تاريخ العراق والحضارة العربية والإسلامية وتوظيف ذلك لصالح الحاضر والمستقبل وإرساء منهج الحوار بين الثقافات، ويعد جهة استشارية في مجال التعليم والاقتصاد والمجتمع والتشريع القانوني،
وأكمل: ترد إلى بيت الحكمة الكثير من الاستشارات في السياسة والاجتماع والتشريع القانوني من الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومن وزارات الدولة مثل الخارجية والتربية والتعليم العالي وغيرها، وتوزع على الأقسام إذ هناك تسعة أقسام للدراسات هي الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والفلسفية والقانونية واللغوية وغيرها.
وتتم دراسة المشاكل وتوضع لها الحلول من خلال خبراء وفرق استشارية مرتبطة ببيت الحكمة، ومن ثم تخرج الاستشارات من الأقسام الخاصة وترسل للجهات المختصة..
أما عن الأقسام التي استحدثت بعد عام 2003 فقال: قبل شهرين استحدثنا قسم (تمكين المرأة) الذي يسلط الضوء على الدراسات التي تخص المرأة، وإيجاد قيادات نسوية صالحة للبلد، تستطيع أن تتقلد المناصب في المؤسسات الحكومية وتقود المجتمع بشكل صحيح ولها تأثير كبير على شريحة كبيرة من المجتمع.
دراسة الأديان بدل من الدراسات الاسلامية
أما عن دراسة الأديان فقال:
وتم استبدال قسم (الدراسات الإسلامية) الذي كان يختص بعلوم والقرآن والشريعة الإسلامية، وتم إنشاء قسم جديد هو (دراسة الأديان) المختص بدراسة كل الأديان في الطيف العراقي بما فيها المسيحية والزرادشتية والايزيدية والكاكائية واليهودية والأرمنية، ومحاولة إيجاد النقاط التي تلتقي بها هذه الديانات، واعتمادها كأساس لبناء مجتمع عراقي موحد ومتلاحم يعمل على وحدة العراق ووحدة أرضه، وترسخ فكرة تقبل الآخر والتعايش السلمي في وطن متعدد القوميات والأديان واللغات.
أما عن دور آخر لبيت الحكمة فقال: لدينا قسم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الذي يساعد في تقديم بيانات تحتاجها الدولة مثل نسبة خط الفقر والطلاق وأعداد المتسربين خارج المدارس، إذ لدينا كادر متخصص يقوم بأعداد بيانات خاصة بكل موضوع، وآخرها كانت بيانات (نسبة الرضى عن الأداء الحكومي في الشارع العراقي) ونسبة (الرغبة في التعليم)، إذ تجمع هذه البيانات التي تعد بيانات واقعية لا تعتمد على أي مصدر الكتروني أو عبر مواقع التواصل، ومن ثم يقوم خبراء بتحليلها لاستخلاص النتائج، وإرسالها إلى الجهات المعنية، لكن نحن لا نلزم الجهات بالعمل بالتوصيات لأن مهمة (بيت الحكمة) أن يرسل التوصيات وكيفية العمل بها والحلول العلمية الواجب اتباعها.
أما عن المؤتمرات الدولية فقال: يستضيف (بيت الحكمة) وفوداً من خارج العراق ويقيم سنوياً ثلاثة مؤتمرات دولية ويصدر نشرات ومجلات ويطبع الكتب ورسائل الدكتوراه والماجستير التي يجدها مهمة..
كان لنا دور في تأهيل المناطق المحررة من داعش
وأكمل: كان ل (بيت الحكمة) الدور الكبير فيما يخص المناطق المحررة من داعش، إذ أوصى بضرورة تأهيل وإعادة بناء الشخصية العراقية التي خضعت لحكم داعش وإعادة عراقيتها وهويتها، إذ قمنا بعمل دراسات اجتماعية حول كيفية تغيير الفكر الداعشي في المناطق التي احتلها داعش، وأقمنا ندوات بالتعاون مع جامعة الموصل، وأرسلنا التوصيات للحكومة فعملت بها وكانت النتائج جيدة، بالإضافة إلى ما قدمنا من مقترحات حول إستراتيجية السياحة في العراق، إذ عملنا ندوات في المحافظات التي تمتلك مناطق سياحية بما فيها الدينية والترفيهية وكيفية تنظيم المواقع السياحية وإيجاد تسهيلات للشركات السياحية لتنهض بالواقع السياحي في العراق، وكثير من التوصيات والتوجيهات التي ترفع النشاط السياحي في العراق، وتم الأخذ بها من قبل هيئة السياحة والآن نحن بصدد دراسة حلول أخرى للسياحة في العراق..
أما عن النشاطات الاخرى فقال: يقيم بيت الحكمة العديد من النشاطات مثل ورش العمل والحلقات النقاشية ومؤتمرات علمية وندوات في مختلف المواضيع آخرها كانت (إدارة المعرفة ودعم اتخاذ القرار) .
أما عن الكتب والمطبعة الخاصة فقال: نقوم بتأهيل مطبعة (بيت الحكمة) ومع هذا لدينا تعامل مع مطابع أهلية للتواصل في إصدار المطبوعات، ولدينا بحدود 450 عنواناً، وتوقفنا بسبب جائحة كورونا والآن عدنا وخلال هذا العام طبعنا بحدود 50 عنواناً.
قبة نصف كروية وفضاءات واسعة وأروقة
اما عن الهندسة المعمارية وشكل البناء حدثتنا د. غادة السلوق رئيس قسم العمارة في كلية الهندسة بجامعة بغداد وقالت: يحتل بناء بيت الحكمة قطعة من الأرض تكاد تكون مستطيلة الشكل، في الواجهة الجنوبية مدخل وممر مقبب بقبة نصف كروية ويؤدي الممر إلى غرفة هي الاستعلامات حالياً وإلى اليسار هناك خمس قاعات تطل على رواق يطل على الحديقة الداخلية، يؤدي المدخل إلى رواق طوله 39 متر على اليمين منه سلالم تؤدي إلى الجزء العلوي من المبنى حيث فضاءات واسعة ورواق واسع كان يستخدم من قبل مجلس الأعيان، تعرض هذا المبنى إلى الحرق خلال أحداث عام 2003، وتمت إعادة تأهيله من قبل مؤسسة بيت الحكمة، ويعد احد الشواهد المعمارية المهمة في تاريخ العراق الحديث وأحد أهم الأبنية التي حافظت على شكلها الهندسي والمعماري كما بني لأول مرة.