أصدرت دار الساقي حديثا طبعة جديدة من رواية ” عودة البحار” للكاتب والروائي البرازيلي جورجي أمادو “1912 ــ 2001″ ترجمة الشاعر السوري الراحل. وهي ثالث رواياته التي تصدر عن الدار اللبنانية بعد ” نساء البن” و ” كاكاو”، على أن يتبعها إصدار طبعة جديدة من رواية ” زوربا البرازيلي” وذلك في إطار المشروع الذي أطلقته “الساقي” العام الفائت لإعادة طباعة النسخ العربية من مؤلفات أمادو، وترجمة ما لم يُنقل منها بعد إلى اللغة العربية.
صدرت “عودة البحّار” للمرة الأولى مطلع ستينيات القرن الفائت، أي بعد تخلي جورجي أمادو عن الواقعية الاشتراكية، التي وسمت رواياته الأولى، وذهابه نحو تناول مواضيع مختلفة، روى بعضها بنفسٍ ملحمي يجمع بين التاريخ والواقعية السحرية، وأثار في أخرى تساؤلاتٍ فلسفية مختلفة في إطار فانتازيٍ يمزج بين الدعابة والسخرية من جهة، والغرابة والمأساة من جهةٍ أخرى.
تنتمي “عودة البحّار” إلى الفئة الثانية، إذ تشتبك مع أسئلةٍ مختلفة ذات طابعٍ فلسفي حول الحقيقة ومعناها، ومنها: هل يستطيع قرائي الآن (…) أن يقولوا لي ما هي الحقيقة؟ الحقيقة الكاملة؟ هل تكمن الحقيقة في الحوارات اليومية والأحداث المتكررة، في التفاهة أو السوقية التي ترتبط بها حيوات معظم الناس، أم أن للحقيقة مأواها في الحلم الذي أعطيناه للهرب من شرطنا الإنساني؟
يطرح أمادو تساؤلاته هذه على هامش حكايته التي يرويها مؤرخٌ هاوٍ، وتدور أحداثها في إحدى قرى مدينة باهيا البرازيلية، وهي قرية يعيش سكانها حياة رتيبة ومملة، دون أحداثٍ تشغلهم أو تؤنسهم، لا سيما وأن أغلب سكانها كبارٌ في السن، وجدوا أنفسهم بعد التقاعد في مواجهة مللٍ رهيب، وفائضٍ في الوقت الذي فشلوا في تصريفه في جلساتهم اليومية في حانات القرية ومقاهيها.
يصف الراوي في مطلع الرواية، طبيعة الحياة ونمط العيش في القرية التي ترزح تحت وطأة الملل، والوسائل التي يحاول سكانها عبرها طرده، ومنها إعادة سرد الأحداث القليلة التي تشهدها القرية سنويًا في فصل الصيف، حينما تتحول إلى مكانٍ صاخب بسبب صخب العائلات الثرية التي تقصدها بهدف الاصطياف.
وفي ظل هذه الرتابة والمحاولات المستمرة لتصريف الوقت، من خلال حكاياتٍ قديمة يُعاد سردها بعد تعديلاتٍ هائلة في كل مرة تُروى فيها، يرفع موظف جمارك متقاعد دعوى ضد الحكومة، فيجد فيها أهل القرية حدثًا يمكن الانشغال به، وتصريف الوقت عبر مناقشته ومتابعة تطوراته وتخمين مآلاته أيضًا، قبل أن يظهر فجأة القبطان “فاسكو موسكوسو دو أراغان”، الذي يخطف اهتمامهم من خلال حكاياته حول البحر ومغامراته فيه.
أثار ظهور القبطان وانشغال أهل القرية بحكاياته، غضب موظف الجمارك “شيكو باشيكو” الذي لم تعد لحكايته أي معنى أمام مغامرات القبطان وحكاياته، الأمر الذي تطلّب منه تدخلًا سريعًا لاسترداد اهتمام أهل القرية الذين سينقسمون، فيما بعد، بينه وبين القبطان صاحب الحكايات السحرية، تلك التي يسعى باشيكو للتحقق من صحتها عبر النبش في ماضي القبطان.
يكتشف موظف الجمارك أثناء تنقيبه في ماضي القبطان أن الأخير ليس بحّارًا، ولم يقد سفينة في حياته كلها، وإنما حفيد رجل أعمالٍ ثري، عاش حياته في الحانات والمواخير التي بدد فيها ثروته. ويجد الموظف في اكتشافه هذا وسيلة لاسترداد اهتمام أهل القرية به من جهة، والتصدي للقبطان وأكاذيبه من جهةٍ أخرى.
وفي سياق مساعي شيكو باشيكو هذه لكشف كذب الوافد الجديد، مستفيدًا من تململ الآخرين من حكاياته الخرافية، تمر بالقرية سفينة توفي قبطانها، فيُستدعى القبطان فاسكو موسكوسو دو أراغان لقيادتها حسب التقاليد البحرية، الأمر الذي يعتبر بمثابة امتحانٍ يثبت صدق موظف الجمارك وكذب القبطان، أو العكس.
*عن ألترا صوت