-1-
لقد لقي الائمة الهداة من اهل البيت عليهم ألوانا من الجور والاضطهاد من الحُكّام، ولكنّ الأمر لم يكن يقتصر على ذلك ، فقد كان بعض معاصريهم من الرجال يتعمدون الاساءة اليهم بالافعال والاقوال ، إمّا تقربا لحكّام عصرهم، وامّا عَنْ حقدٍ وضغائنَ تكشف عن نُصْبِهم وعداوتهم الشديدة للعترة الطاهرة من اهل بيت النبوة .
-2-
ومما جاء في سيرة الامام الكاظم (ع) – وهي سيرة موشّاة بالروائع من مكارم الاخلاق، وناصع المواقف، وعظيم المعارف والعلوم – انه توّجه يوما راكبا حماره الى الرشيد ،ولم تكن الزيارة الاّ محاولةً منه – روحي فداه – للحد من غلوائه المعلوم – فتلقاه حاجب الرشيد بالاكرام ،
وعجّل له بالأذن ،
وكان قد حضر في باب الرشيد رجل يُقال له ( نفيع الانصاري) – فسأل نفيعُ :
من هذا الشيخ ؟
فقيل له :
انه شيخُ آل ابي طالب ،
شيخُ آل محمد
هذا موسى بن جعفر
فقال نفيعُ :
ما رأيتُ أعجز من هؤلاء القوم ،
يفعلون هذا برجلُ يقدر ان يزيلُهم عن السرير .
أما إنْ خرج لأسونّه .
لقد استكثر هذا الغبيّ على الامام الكاظم (ع) أنْ يُستقبل بحفاوة بالغة وتقدير كبير، فقال ما قال انتصاراً للسلطة العباسية التي تعاديه
ولكنّ المهم :
انه كان يرى أنْ الامام الكاظم (ع) قادرٌ على الاطاحة بعروش الطغاة
وهذه شهادة من العدو بعظيم المكانة الاجتماعية التي يتمتع بها الامام الكاظم (ع) في الامة .
وقديما قيل : ( والفضلُ ما شهدتْ به الأعداءُ )
فَنُصِح الانصاري وقيل له :
لا تَفْعَلْ ،
فانّ هؤلاء أهل بيت قَلَّ ما تَعرّضَ لهم احدٌ في الخطاب الاّ وسموه في الجواب سمةً يبقى عارُها عليه مدى الدهر .
ولكنه أصرّ على الاساءة
وما إنْ خرج الامام الكاظم (ع) الاّ وأخذ نُفيع الانصاري بِلِجَام حِمَارِهِ وقال :
من أنتَ يا هذا ؟
قال الامام (ع) :
أنا ابن محمد حبيب الله، ابن اسماعيل ذبيح الله ، ابن ابراهيم خليل الله .
وان كنت تريد البلد :
فهو الذي فرض الله على المسلمين ، وعليك ان كنتَ منهم ، الحج اليه. وان كنت تريد المفاخرة :
فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاءً لهم حتى قالوا :
يا محمد أخرج ايضاً أكفاءنا من قريش .
وان كنتَ تُريد الصيت والاسم :
فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول :
اللهم صل على محمد وآل محمد ،
فنحن آل محمد ،
خَلِّ عن الحمار
فخلى عنه ويده ترعد وانصرف مخزيا
راجع امالي المرتضى الغرر والدرر ج1 ص 275
ما أروع هذا الجواب الوافي الذي وضع فيه الامام الكاظم (ع) النقاط على الحروف وعرّف (نُفَعيْاً) بحقيقة الأبعاد التي انطوت عليها شخصيته العظيمة
ويلاحظ :
ان الامام الكاظم (ع) عَرَّضَ ضِمْنا بالهوية العقائدية لنُفيع الانصاري بقوله ( إنْ كنتَ منهم ) ذلك انَّ المبغض لآل محمد لا يصح منه الادعاء بالاسلام ،
وكيف يكون مسلماً مَنْ يعادي أبناء الرسول (ص) وأوصياءه ؟!
حسين الصدر