جبّار الكوّاز
بعد موته التراجيدي غريبا في إحدى مشافي الكويت وتشييعه الباهت تحت زخات مطر خفيف في أواخر كانون الاول الى بشارة اصدار الاعمال الكاملة له عن دار الرافدين بجمع الشاعر المميز( علي محمود خضير) بجهد استثنائي لائق به. مازال سؤال السياب حاضرا في المشهد الابداعي العراقي والعربي والعالمي بوصفه ثيمة كبرى استطاع تجاوز المحلية الى ضفاف العالمية واسس بقوة الوعي الخطوط التجديدية الاولى في الشعر العربي في عصره الجديد فكان الجسر الذهبي الذي عبر به الشعر العربي الى ضفاف التجديد والحداثة.. وبعيدا عمّن كان الرائد الحقيقي للقصيدة الجديدة (التفعيلة) وعن كل الاتهامات التي وجهت اليه فنيا واجتماعيا وسياسيا ظل السياب شخصية اشكالية على مستوى حياته وانجازاته الشعرية التي امتازت منها المطولات التي اسست اضافة الى البنية الفنية والشكلية المستجدة مصدر جدل طويل وعميق ما زال اواره قائما في كل لقاءات الشعراء والباحثين والدارسين.. ربما كان تمثاله الشهير على شط العرب يشكل صورة من الوفاء الشعبوي له خاصة بعد سقوط الشمولية اذ نجا التمثال من التخريب ولم يلاق مصير التماثيل المجاورة له بقوة تأثيره الابداعي في وجدان الناس رغم ان اكثرهم قد لا يكون قرأ له نصا واحدا ولكن قيمته الفنية الكبرى انعكست على قيمة اجتماعية عميقة التأثير شعبويا حتى صار التمثال محجا عراقيا لجميع زائري البصرة. وبهذا يرتبط السياب عضويا بالناس من خلال اهتمام شعره بهمومهم التي طالما كتب عنها مطولاته العظيمة التي شكلت سفرا ابدعيا جديدا في عالم الشعر العربي في بواكير محاولاته التجديدية… ترى ما لذي تبقى من السياب؟! بعد نصب مهمل لا يحظى بعناية الا بعد مناشدات اعلامية مستمر فتبدو كهبة شخصية لاسكات الاعلام. وبعد مهرجانات بسيطة لا ترتقي الى أهميته التأسيسية شعريا، وبعض دراسات اكاديمية تناولت شعره ومرت عليه مرورا بسيطا كإسقاط فرض ابداعي وطني. ولو حاولنا ان نقارن بينه وبين غيره من المبدعين العرب لا يرتقون الى رمزيته لوجدناه في اقصى حالات الاهمال. فهل فكرنا مثلا بتأسيس معهد ادبيّ باسمه على غرار شعراء اوروبا؟! او اسسنا جامعة تحمل اسمه كما في جمهورية ايران وفردوسيها الذي تحمل اسمه اكبر جامعاتها اطلاقا؟!، هل فكرنا ان نعمم أعامله الكاملة في طبعات شعبية نرتقي بها بذائقة الناس ونشهد له انه يستحق ان يكون في كل بيت عراقي بل عربي؟!..يبقى السياب الكبير مصدر اسئلة اشكالية على مستوى البنية الشعرية والمضموية التي انطوت عليه اعماله كلها. ترى هل ما زال سؤال الانتماء الحزبي الضيق الذي نزع السياب روحه منه ليرتمي في خضم انتماء اكثر ضيقا احد اسباب هذا الاهمال المقصود؟! ام ان طبيعة الذائقة المتحكمة في تكوين ذوات امرائنا الوطنيين الثقافية إن كانوا مثقفين هي الي تقود الى الاهمال؟! أم أن طبيعة الانتماء المذهبي صارت الاساس في الحكم على منجزات الادباء العراقيين بل العرب والسياب واحد منهم ولو حاولنا ان نقارن قيمة السياب الابداعية الفنية عراقيا بغيره الا يستحق السياب ان يحتفل بعيد ميلاده او التذكير بتاريخ وفاته كذكرى وطنية عراقية.. هل اكتفت وزارة الثقافة هي سعيدة بتملكها بيت اهله وتركته مهملا تذروه الرياح وابقاء بويب نهرا دارسا يسأل زائرو البيت السيابي عنه وحين يكتشفون الحقيقة يصيبهم الذهول..انها دعوة وطنية لاعادة التذكير باستعادة السياب عراقيا وفي محاولة بعث الاهتمام بالشواخص العمرانية التي ذكرها في شعره كشناشيل بيت الجلبي ومنزل الاقنان مثلا وهي مازالت شاخصة متداعية منتظرة الهدم من قبل المستثمرين او عوامل الطبيعة..الا يستحق السياب هذه الامور البسيطة سهلة التنفيذ ويبقى السؤال قائما في كلّ عام(ماالذي تبقى من السياب)!؟