بعد مضي اكثر من نصف قرن من الصراع العربي – الاسرائيلي ادرك العرب بان مناوراتهم السياسية وخططهم لاسترجاع الاراضي العربية المغتصبة في فلسطين وسوريا ولبنان باءت بالفشل فقد جرب العرب الحرب مع اسرائيل فلم يستيطيعوا هزيمتها وجربوا التفاوض فكان الاسرائيليون اكثر تحملا وعنادا في فرض شروطهم وتحلوا بنفس طويل في التعامل مع الزمن وخلال هذه السنوات الطويلة بانت بشكل واضح معالم الانهيار في المنظومة السياسية العربية والتخبط الكبير الذي عاشته القيادات العربية في تعاطيها مع ملف الصراع العربي – الاسرائيلي بعد ان تركوا لجامعتهم العجوز( الجامعة العربية ) تقرير مصير فلسطين بشكل جعل الاسرائليين يدركون مبكرا فلسفة الانظمة العربية في التعامل مع اخطر ملف عاشته منطقة الشرق الاوسط طوال العقود الماضية ونجحت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في جر الانظمة العربية الى ميادين واشكال جديدة في الصراع لينعكس ذلك الى تحولات في مفاهيم التفاوض لارساء التسوية اختلف فيه نظام المقايضات السياسية بين العرب والاسرائيلين وانحدر فيه الخطاب العربي من قمة التلويح والتهديد بالقضاء على هذا الكيان الغاصب ورمي جنوده في البحر الى الهرولة من اجل التطبيع مع اسرائيل وفي قراءة سريعة للاحداث المتسلسلة في مضامين هذا الصراع يمكن لاي مراقب او محلل ان يدرك الضعف والعجز العربي في تفكيك معضلة الصراع مع الاسرائيلين والفشل في تكوين القدرة على استرجاع الحقوق العربية وبالمقابل بانت بشكل واضح القدرات الستراتيجية التي تمتع بها الاسرائيليين في تجذير اسس الصراع واستكمال تبادل الادوار للقيادات الاسرائلية والاهتمام الكبير بالنواحي الاقتصادية والعلمية والا منية التي مكنتهم من توفير مستوى جيد من الامن والطمانينة لسكان الاراضي الاسرائلية وعدم الانقطاع عن التنسيق المستمر مع المحيط الدولي في سبيل اعادة تكوين راي عام عالمي عن القضية الفلسطينية وتاجيل واستبعاد ملف القدس الى اخر حلقة من حلقات هذا الصراع واذا كان لايران دور مهم وحيوي في تحول بعض الانظمة العربية وتغيير ستراتيجيتها في التعامل مع اسرائيل بفعل المخاوف من الدور الايراني في منطقة الخليج فان هذه المخاوف لايمكن ان تكون باي شكل من الاشكال عاملا مهما في تقرير مستوى الارتماء في الاحضان الاسرائيلية وكان يمكن لقليل من الشجاعة وكثير من الصبر وبعض من الحكمة في تجاوز هذه الحقبة السوداء التي يمر بها التاريخ العربي واعادة احياء التنسيق وصنع تحالفات جديدة في المنطقة ولم يعد امام اصدقاء العرب ومناصريهم في هذا الصراع سوى ان يشفقوا على هذه النهاية التي انتهت اليه هذه القصة الحزينة حينما خذلت قرارات انظمة التطبيع ملايين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية وهم يرون قادة انظمة عربية ينحنون انحناءة المغلوب والمنهزم من دون حرب ويرضون بمقايضة خاسرة تحولت فيها خارطة فلسطين من التقسيم والمناصفة الى الادرة المحلية من دون دولة او سيادة ومن الارض مقابل السلام الى الاستسلام مقابل السلام .
د. علي شمخي