اكثر من ثمانية وستين عاما مر على تبوء العراق مقعده في عصبة الامم ونيله السيادة على ارضه وسمائه ومياهه كدولة مستقلة ومنذ هذا التاريخ كابد العراقيون كثيرا من اجل ان يكون هذا العنوان السامي (السيادة ) واقعا ملموسا في حياتهم يتمتعون بالحق السيادي مثلما تتمتع به الشعوب الاخرى فهل تحقق هذا المفهوم القانوني والاداري والسياسي في حياة العراقيين ؟ الاحداث السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية التي تلت عام 1932 وهو العام الذي صوتت فيه الدول المنضوية في عصبة الامم على استقلال العراق تثبت ان الصراعات الداخلية والخارجية والتي كانت للانظمة السياسية ادوارا مختلفة فيها تسببت بانتهاكات متعددة نالت من سيادة العراق وعرضت ارضه وسمائه ومياهه الى الاحتلال والى فتح الباب واسعا امام التدخلات الخارجية ويصعب تفسير اسباب هذا الاختلال في طريقة التفكير التي انتهجتها تلك الانظمة وسماحها بمثل هذه الانتهاكات لكن الوقائع التاريخية تشير الى ان الاهتزاز في الولاء الوطني وعدم تقدير عواقب الافعال الاجرامية والارتماء في احضان الولاءات الدينية والحزبية والمذهبية والقومية لرؤوساء وزعماء ومسؤولين عراقيين على مدى العقود المنصرمة تسبب بسقوط الاف الضحايا من العراقيين وهدر مليارات الدولارات من ثروات العراق واقتطاع اجزاء من اراضيه واختراق اجوائه والتضييق على حدوده البحرية والاعمق من ذلك التفريط بسمعة العراق في العديد من المحافل الدولية واشاعة ثقافة الانتماء الى المحاور والتكتلات والتحالفات الخارجية وتسويق اسباب واهية لهذا السلوك السياسي تحت مبررات حماية القومية او الدين او المذهب ومن الغريب والمحزن ان يصل هذا السلوك المشين الى مستوى الاحزاب والمجموعات التي تروج بين اتباعها ومؤيديها ضرورة الارتباط بولاءات خارجية واذا كانت زيارة الرئيس الفرنسي (ماكرون ) الاخيرة الى بغداد فتحت بابا جديدا من ابواب التعاون العراقي – الفرنسي في سبيل مساعدة العراقيين للتخلص من ازماتهم السياسية بما يبعث رسالة تطمين بوجود دولة قوية مثل فرنسا تريد تدعيم مجالات الصداقة مع العراقيين فان مايؤلم العراقيين في جانب اخر هو تصريحات الرئيس الفرنسي الذي ادرك حجم الانحدار الذي وصل اليه سلوك الطبقة السياسية في العراق حينما قال انه يحمل مشروعا (لحماية سيادة العراق ) حيث يدرك ملايين العراقييين بحسرة مدى الخسائر الفادحة التي لحقت بالبلاد بسبب التفريط بالسيادة وتعريضها للانتهاكات من قبل مجموعات فاسدة وفاشلة في ادارتها لمؤسسات الدولة العراقية حرمت بلادهم من الوصول الى منصات التنمية والازهارالتي تتمتع بها شعوب اخرى نالت استقلالها بعد استقلال العراق بسنوات طويلة لكنها صانت سيادتها وجعلتها في دائرة الحصانة الوطنية العليا .
د. علي شمخي