فاهم وارد العفريت
مع بداية قراءتنا للرواية أنبأنا الراوي أنها حلم وربما يكون أضغاث احلام مع السلسلة المترابطة للأحداث والمتداخلة مع الحلم الطويل الذي مرّ بحياة الراوي بشكل حقيقي ليتم من خلاله استدعاء نبض القارئ ليتقرب بكل مالديه من مشاعر وكذلك انفعالات لتحتضن تلك البنية السردية الممتعة التي جاءت على شكل حلم يقظة نبش أحداث الماضي بمقاربات أراد لها الراوي أن تزيح ماعلق في ذاكرته من أحداث وخاصة سنوات الحروب التي مرّ بها وخاض بحار آلامها وقساوتها مجبرا وهو الاستاذ الذي يجب أن يحمل قلمه وطباشيره بدلا من البندقية والعتاد وأصوات الرصاص التي كانت تتصارخ في كل ليالي حياته العسكرية .
كلما تعمقنا في قراءتنا للرواية نرى ان ابراهيم سبتي حشّد لنا الكثير من الأحداث الحقيقية في حلمه هذا والتي تراكمت تباعا في ذاكرته المهيأة دوما لحمل المزيد من النكبات , وعندما نقوم بتفكيك النص السردي للرواية ستظهر أمامنا ثنائية الزمكانية مع مايرافقها من دلالات إيحائية للصور التي ربما يكون البعض منها قد استعاره الراوي من تجارب طوّح بها الزمان وقذفها بعيدا .
هذا التداخل الذي أثمر جدا في إيصال بنية الحدث للقارئ وشده للثيمة الأساسية للرواية قد نجح في جعل ذلك القارئ يتماهى مع سردية الاحداث ويعيش تفاصيلها مع ذاته من خلال اللغة السلسة والمفردة المؤثرة التي ظهرت أساسا من ذات الراوي والتي كشف بعض مفردات آلامها في فلسفة الرحيل وكما في رحيل أخيه ورحيل بعض أصدقائه وكذلك رحيل أخ رضوان المصري ,
هذا السيل من العواطف المتأرجحة في ذات الراوي الجريحة جعل فضاءات السرد في روايته تمثل ديمومة متجددة للحياة رغم قساوتها وآلامها , ومع انسياب الجمل المشبعة بالصور المتلاحقة والمتداخلة بين الماضي وبين الواقع المعاش نرى ان الراوي يحاول جاهدا أن يوظف صور ماضيه المبعثرة بين تدريسه في معهد المعلمات وبين حياته وهو جنديا يخوض غمار حروب متلاحقة , لذلك وحينما نبحث عن ما أرادته ذاكرة الراوي من ربط بين الماضي الذي تكونت فيه بعض من سوسيلوجيا المكان وما حمله لنا من تقلبات قد تكون ممتدة عبر سنوات راحلة من حياته .
ابراهيم سبتي في قصر الثعلب يحملنا مع مشاعره عبر صور حية بما يحمله من ذكريات ناضحة بخلجات امتزجت مع الاماكن في تجربة خصبة بما رسمته من إيحاء معبّر عن الواقع بأعمق صوره , وبسرد حي ومؤثر لحقيقة الزمن عنده , بعيدا عن التأويل او الرؤى المختلفة المتزاحمة بين خيارات الأفكار المتناقضة , فهو قد ترجم بلغة محببة وواضحة بعيدا عن ثنائية المعاني أو نية المقاصد ليظهر لنا عبر معاني دلالية فيض ما يخالجه من عواطف توزعت بين ذكريات الماضي وواقع الحاضر الحالم الذي أرادنا ان نعيد قراءته بلغة اخرى تحتضن تجليات الزمن الراحل مع ما حملته من صور نابضة بالحنين للوطن وللأهل رغم كل شيء .
هذا الخيال المؤثر جدا الذي أراده الراوي ان يسري سريعا الى محطات الحلم الحقيقي الذي راود خياله ليعطي للذكرى حقها مع انزياح أو تأرجح الشعور الضاغط على معايير الواقع الذي ربما يكون مغايرا تماما لمديات الأمكنة وتبدلات الزمان .
أخيرا هذا البوح الذي أظهره ابراهيم سبتي عبر روايته (قصر الثعلب) عبر بشكل غير قابل للتأويل بما تحمله ذاكرته فعلا من ألم كامن في ذاته عبر تراكم السنين وما حملته من أحداث وخاصة أحداث الحربين العراقية الايرانية واحتلال الكويت , وان هذا المد العاطفي الذي استخدمه الراوي وما يمثله من تماهي أظهرته مديات الصراع بين الذات الجريحة وبين تقهقر الوقت الذي مثل بعدا آخرا لسيسولوجية الحلم المباح .