فوزي عبد الرحيم السعداوي
في ذكرى لينين
من الصعوبة على أي مهتم بالشأن السياسي تجاهل الذكرى المائة وخمسين لميلاد لينين، الثوري الروسي الذي غير وجه العالم، فبرغم انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط التجربة الاشتراكية التي عول عليها لينين كمرحلة في طريق الشيوعية فان بقاء روسيا بقوتها العسكرية وقاعدتها الصناعية يجعل من استذكار بناةالاتحاد السوفياتي أمرا لا بد منه.
ان موضوعات لينين الماركسية برغم هزيمتها المؤقتة تعود للساحة الفكرية والسياسية بعد الأزمات التي مرت بها الأنظمة الرأسمالية كما أعطت مصداقية لبعض الطروحات الماركسية واللينينية، ان هذه الأزمات تعيد وجود الفكر الماركسي اللينيني بديلا عن النظريات الرأسمالية التي تعاني من الهرم.
ان المعركة بين الفكر الاشتراكي والرأسمالي لا يمكن اختصارها بانهيار الاتحاد السوفياتي دليلا على انتصار الرأسمالية، انها معركة طويلة وإذ تخوضها الرأسمالية بنفس الأدوات والأفكار فان أمام الا شتراكيين مهمات كبيرة وصعبة حيث مهمة تطوير الفكر الاشتراكي وإنقاذه من الجمود العقائدي وتطوير أدواته تنتظر العقول الحرة والمبدعة كي تنجز مهماتها لإعداد مسرح الحياة لمعركة فاصلة مع الراسمالية وميراثها.
المبادئ والأخلاق
شخصية عراقية بكرت في معارضتها للزعيم قاسم وكانت سببا في إعدامه لاحقا، ظلت زوجته وعائلته موضع رعاية قاسم بينما هو بالسجن لذلك كانت تتردد عليه في مكتبه بوزارة الدفاع، خلال هذه الزيارات اخذت تعرض نفسها على قاسم الذي أنف من هذا السلوك فأصدر أوامره بعدم السماح لها بالمجيء لوزارة الدفاع.
هذه الحادثة التي لا يعلمها إلا عدد قليل من الأشخاص وانا استقيتها من شخصية عراقية نافذة تلك الأيام وهو ينقلها لوالدي تلقي الضوء على سلوك بعض الأفراد الذين لعبوا دورا في تحديد مصير بلادنا وكانوا يفعلون ذلك تحت يافطة الدين والقيم الحميدة، فلماذا يحدث ذلك؟ وتحت أي قاعدة أو مبدأ؟.
أولاً لايمكن فصل المبادىء السياسية عن الأخلاق والقيم الفردية ويمكن إيراد المثال تلو المثال لتأكيد ذلك
ان سلوك العائلة يرتبط بشكل مباشر بسلوك رب الأسرة، وبعيدا عن ادعاءاته أو تدينه الطقوسي، فالشخص المعني بمنشوري عرف بتدينه ويكنى بـ “حجي”، لكني أرى ان سلوكه السياسي كان القدوة لعائلته كي تسير في طريق بعيد عن دينه الطقوسي وقيمه المدعاة.
وانا أتحدث عن هذا الموضوع لي تجربة شخصية في هذا المجال، حيث قد نشأت ضمن أسرة كبيرة نسبيا وكان والدي المعيل الوحيد اضافة وهو الأهم انه كان مشغولا بالسياسة بدرجة لم تكن تسمح له بالجلوس مع عائلته ومتابعة شؤونها أو إسداء النصح لأبناءه بل أضيف انه لم يكن يعرف أينا في أي مرحلة دراسية، لكن ذلك لم يكن سببا في ضياعنا أو انحرافنا عن قيمه ومبادئه السياسية التي لم يحدثنا عنها، لقد كان لسلوكه الشخصي مع الآخرين والتزامه ( المزعج لنا ) بمبادئه مع ما حمله من كلف مادية أثره الكبير في تكوين منظومتنا الأخلاقية التي لم يشذ أحد بالخروج عنها.
هناك الكثير ممن صنعوا ثرواتهم من أعمال غير شرعية ثم اتجهوا بعد تقدمهم بالسن إلى الدين وأخذوا يوجهون أبناءهم بالالتزام بالقيم والأخلاق لكن مع كل ذلك سلك أبنائهم سلوك اللصوص، ان التثقيف والنصح يلعب دورا في توجيه الأفراد وجهة معينة لكن السلوك العملي هو العامل الحاسم في تحديد هوية الأبناء، انا لا أنكر وجود عوامل أخرى لها تاثير في تحديد نوع القيم التي يتبناها الأبناء عدا التلقين والسلوك العملي لرب الأسرة وهو أمر يحتاج للتفحص والدراسة وعدم التوقف عند الالتزام الشكلي بالدين الطقوسي مثلا او حتى بالقيم الشكلية، فمن الممكن ان تجد عائلة لأحد الطغاة ملتزمة دينيا وتقوم بالشعائر وما يترتب على ذلك من تخصيص مبالغ للفقراء لكنها تبرر لرب العائلة الطاغية طغيانه على أسس دينية.
لغتنا العربية
اللغة العربية من اللغات القديمة نسبيا وهي تواجه تحديات وجودية منذ بعض الوقت خصوصا مع التطورات الهائلة في التقنيات وأنماط الحياة، حيث ان نقاط قوة اللغة العربية وأسباب بقائها هو كونها لغة القرآن مايجعلها مقصدا لتعلم ملايين المسلمين من غير العرب أضافة إلى انها لغة بضعة مئات من ملايين البشر وعدا عن ذلك فهي لغة جزء من التراث الانساني، لكن مساهمتها العالمية تتراجع منذ عقود.
يرى كثيرون ان مشكلة اللغة العربية هي في قواعدها الصعبة وغير القابلة للتكيف مع تطورات الحياة وان احداث تغييرات في النحو مثلا سيؤدي لجعل اللغة العربية أسهل على التعلم والانتشار.
اننا لا نوافق على هذا الرأى ونرى ان المشكلة هي في دور ومساهمة أصحاب اللغة في الحضارة الانسانية، فلو ان الألمانية هي التي اعتمدت في الولايات المتحدة كيف سيكون دورها في الحضارة الانسانية وما هو مصير اللغة الانكليزية، بالتاكيد كانت الألمانية لتلعب دورا أكبر في الحضارة الانسانية على حساب الانكليزية ان التحدي الوجودي الذي يواجه اللغة العربية لا يأتي من النحو ولا من وجود حروف لا نظير لها في اللغات الأخرى إذ يمكن إجراء تعديلات على النحو العربي ليسهل على متعلميها الجدد إجادتها رغم ان كهنة المعبد سيعارضون ذلك.
ان علة اللغة العربية والتحدي الوجودي الذي يواجهها ليس في تقنيات اللغة وليس في طبيعتها غير القابلة للتكيف كما يرى آخرون بل في المتكلمين بها!!، ان العرب غادروا مسرح الفعل والتأريخ وأصبحوا أمة افتراضية ليس لها فعل أو مساهمة حضارية وهم بذلك ومنذ وقت طويل يضمرون ولا يبقى منهم غير الماضي الذي تقل أهميته كلما تقدم الزمن.
لماذا ياترى يتعلم أحدهم لغة قوم ليس لديهم اختراع أو اكتشاف!!، ان اللغة العربية الجميلة لا تشكو من علة غير علة المتحدثين بها وانا إذ أقر بذلك فاني أعمل وفق القول المأثور من لا يعرف غير لغته لا يعرف لغته، فانا بعد أن تعلمت الانكليزية أقول ان العربية تمتلك كل أسباب البقاء لكنها لغة لأمة تفتقد لأسباب البقاء وتتحول إلى عالة على البشرية.
مسكينة لغتنا الجميلة التي قال عنها الشاعر يوما رموني بعمق في الشباب … وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي.