الأخبار السياسية المتناقضة،قد تصيب المرء بالجنون،وبخاصة في شهر رمضان،في ظل انخفاض نسبة السكر في الدم وتراجع المناعة وتصاعد هجوم فايروسات كورونا،ومن ثم قد يهرب الكثيرون من برامج السياسة الى برامج التسلية والدراما، ولكن رامز سيكون بانتظارهم في برنامجه المفبرك الجديد(رامز مجنون رسمي) وهو تعبير عن حالة اللامعقول والفوضى التي يعيشها العالم اليوم، ولا يجد صنّاع القرار وجهابذة الإعلام سوى ضخ المزيد من شعارات الكذب والدجل في مقابل سرقة لقمة العيش من أفواه الجائعين القابعين في بيوتهم تحت حصار(خليك بالبيت)!
البرامج السياسية والحوارية أصبحت مثل برامج الكاميرا الخفية العربية في رمضان المبارك،حيث يخلط الخيال مع الوهم مع الخداع مع الإعلان،وتختفي الحقيقة تحت وابل من الفبركة،فيصدق أغلب الناس ما يشاهدون،وتصبح الصورة وسيلة لتغييب العقل، بعد ان كانت تمثل طوال تاريخ البشرية أساس المصداقية، فالرؤية تصديق، وما بين الحق والباطل أربع اصابع فقط !
القنوات الفضائية تتسابق في تقديم برامج الواقع والكاميرا الخفية، في هذا الشهر المبارك، ضمن الماراثون الفضائي الرمضاني لكسب اعجاب المشاهدين، ولعل ما يجذب الناس إلى تلك البرامج طرافة الأحداث وردود الأفعال غير المتوقعة، سواء من جانب الشخصية المستهدفة أو المشاهد، ولكن اللعبة تكشفت أخيراً من قبل بعض المشاركين الذين صرحوا أن أغلب برامج الكاميرا الخفية عبارة عن تمثيل، من خلال اتفاق بين المقدم والضيف، ولا توجد مفاجآت حقيقية، فالكاميرا الخفية لعبة مفتعلة مثل أي تمثيلية، ومن ثم فإن المشاهد المخدوع هو الضحية في الأغلب!
الكاميرا الخفية دخلت السياسة، وأفسدت اللعبة الفاسدة أصلاً ، فخلال السنوات القليلة الماضية ازدحمت الشاشات بالتظاهرات والاحتجاجات، وكانت الملايين من الناس تشعر بالمشاركة والتعاطف والأمل في مستقبل أفضل، بعد سقوط أنظمة وزعامات عديدة، لكن نهايات الأحداث لم تنسجم مع مقدماتها، ومن ثم فإن بعض القنوات المعروفة ينبغي أن تصدر بيان اعتذار للشعوب، خلاصته تلك العبارة المصرية الشهيرة: “معليش.. سامحونا كنا بنهزر”!!
وفي العراق يكاد الوضع السياسي المتأزم المشحون بالخطابات والتصريحات والاتهامات والفضائح، أن يخرج عن حدود المعقولات والتوقعات،وربما يتجرأ بعض السياسيين،ذات يوم مقبل،فيعلنون من إحدى منصات القصف الإعلامي:”أيها الشعب العراقي العظيم.. لا تقلق ولا تحزن..كل ما شاهدتموه خلال السنوات الماضية كان عبارة عن حلقات من برنامج الكاميرا الخفية”..وذلك مثلما فعل صدام بعد حرب طاحنة استمرت ثماني سنوات ضد ايران في بيان البيانات المعروف، ومثلما كرر اللعبة نفسها بعد غزو الكويت، وتدمير العراق، عندما أعلن الانتصار على التحالف الثلاثيني الدولي بقيادة الولايات المتحدة!
في عالم السياسة المعقد ودهاليزها المظلمة، قد تسمى الهزيمة نصراً،والإرهاب مقاومة، ولا يحظى المشاهد إلا بصور مصطنعة،يجري تسويقها على أنها حقائق ثابتة،وقد يحدث العكس فالحقائق قد تتعرض للتشويه والتحريف وفق أهداف وغايات لا يعلمها سوى تجار السياسة والدين والموت،ولا يستفيد من نتائجها الكارثية سوى أعداء الوطن المتربصين الفرحين خارج الحدود!
عندما يسألك مذيع أو مراسل، على قارعة الطريق،أو خلال تظاهرة احتجاج،أو في ندوة عامة، عن رأيك في ما يجري من مناورات سياسية، قل ما تشاء، ولا تخف، فلا أحد يسمع صوتك، ولا أحد يستجيب لمطالبك، فبعض السياسيين يبيعون ويشترون في مصائرنا وأرواحنا، في الخفاء، وما يظهر في العلن، مجرد كاميرا خفية، وما خفي كان أعظم!
د. محمد فلحي