فوزي عبد الرحيم السعداوي
(1)
اليوم قررت ان أكتب منشورا عن بعض المشاهد من الحياة البغدادية على شكل احداث غير متصل ببعضها… كانت السينما أحد أهم ألمتع للشباب وحتى الكبار حيث لا تقتصر المتعة على مشاهدة الفلم ولكن ايضا لبعض الطقوس المرتبطة بالسينما ك (اللفة) التي في الغالب تكون من الفلافل أو اللحوم الباردة اضافة إلى الاستمتاع بصحبة صديق أو أكثر وحتى عملية الذهاب للسينما والعودة منها والتي غالبا ما تكون مشيا على الأقدام يوم كنا نسكن البيت العتيق في باب الاغا… في أيام الجمع كان هناك فلم الساعة الواحدة حيث يلوذ كثيرون بالسينما للاستمتاع ليس فقط بالفلم ولكن بالتبريد في صيف بغداد اللاهب… السينما المفضلة لي وللكثير من هواة السينما هي سينما غرناطة التي أفتتحت أوائل الستينات بعرض فلم “مدافع نافارون” وأتذكر ان من أبطال الفلم غريغوري بيك وديفيد نيفن.. وكانت صالة غرناطة لا تعرض الأفلام العربية ومن الأفلام الأجنبية لا تعرض سوى الرصين… في هذه الصالة شاهدت روائع الأفلام… مثل “صديق الشيطان” لـ ألبرت لانكستر وكذلك فلم “الخادم” وفلم “مدينة بلا رحمة” من تمثيل كريستين كوفمان التي دائما يقرن اسمها بكلمة الجميلة، يشاركها في التمثيل زوجها توني كيرتس وكيرك دوغلاس، كما اتذكر بشغف الفلم الرائع قاضي التحقيق لجاك بريل والذي اعده فلما غنيا بالافكار… فلم “الجنرال رعب” لكاري كوبر أيضا كان فلما راقيا.. في سينما الخيام التي كانت يوما أرقى سينما مازلت أذكر واقعة فلم “الفايكنغ”… كنت اذهب للسينما كل جمعة واحيانا لا استطيع بسبب عدم توفر المال… أحس أبي بما انا فيه أو أخبرته أمي فعرض علي ان يمول كلفة ذهابي للسينما مقابل ان أصطحب أخوي سعدي وكامل معي.. لااعلم كم مرة أصطحبتهما معي ربما مرة أو اكثر قبل ان يفشل الاتفاق… وكان الفلم هو “الفايكنغ” لتوني كيرتس وكيرك دوغلاس وكان الزحام شديدا فلم أستطع الحصول على بطاقات الدخول لكن كانت هناك بطاقات على الدور الأخير وهو ما لايسمح به أبي لأن وقت الخروج سيكون متأخرا ولا يناسبه وجود أطفال في الشارع… تجاهلت كل شيء حيث رائحة الفلم في أنفي وطعمه في فمي، قررت المغامرة وغض النظر عن العواقب فقطعت التذاكر على الدور الثاني … في فترة الانتظار حسبت ما عندي من فلوس فكانت مبلغا كافيا لأخذ باص العودة… كان وقت الانتظار طويلا ورائحة فلافل ابو سمير لا تحتمل فاشتريت لي ولأخوي لفات فلافل.
(2)
خرجنا من السينما في وقت متاخر ولم يعد معي أي فلس فكان علينا ان نعود مشيا من الباب الشرقي إلى باب الأغا وهي مسافة ليست بعيدة في الظروف العادية لكنها في هذه الحالة أخرت وصولنا البيت لوقت جدا متاخر، وعندما وصلنا وجدت أبي الحليم بأشد حالات الانزعاج والغضب حيث عوقبت ببسطة كانت الأولى والأخيرة في حياتي.
في سينما بابل التي تقع في شارع السعدون وعلى بعد عشرات الأمتار من سينما النصر واظن ذلك كان في العام 1971 شاهدت فلم “نضارة العشب” من تمثيل وارن بيتي وناتالي وود وهو من افلام الحب الكلاسيكية وقد تاثرت به جدا فقد انتهى نهاية حزينة كما ان ناتالي وود ادت اداء رائعا…أثناء عرض الفلم وبعد مشاهدة اجزاء منه تذكرت أني شاهدته في غرناطة قبل عقد من الزمن ولكن بعنوان آخر هو جنون الحب…
فاتني أن أذكر فلم “أطول يوم في التاريخ” الذي رافقته حملة إعلامية لترويجه بسبب ضخامة إنتاجه وطول عرضه الذي وصل لثلاثة ساعات وحشد الممثلين من ألمع نجوم هوليود امثال جون وين وروبرت ميتشم وآخرين كثيرين نسيت أسمائهم.
كانت هناك دور سينما أقل أهمية لكني قلما كنت أرتادها لكن أفضلها كانت سينما ريكس التي تجاورها سينما روكسي وتقعان في السنك، كانت ريكس تعرض في الغالب أفلاما أميركية في حين تعرض روكسي أفلاما عربية شاهدت منها فلم “الخطايا” لعبد الحليم حافظ وفلم “خذني بعاري” لسميرة أحمد وكمال الشناوي واتذكر حادثة طريفة حدثت أثناء عرض الفلم، في ذلك الوقت كانت ظاهرة مشاهدة الفلم عدة مرات سائدة ولم تكن هناك مشكلة في ذلك ، قصة الفلم تتلخص في أن كمال الشناوي يقع في حب سميرة أحمد دون ان يعلم انها مومس لكنه لاحقا ينصدم بذلك، غير انه لم يستطع التخلص من حبها فيقترح عليه صديقه ان يذهب إليها كزبون حتى تسقط في عينه، يقوم الشناوي بذلك وعندما يهم بالدفع والسينما ظلماء والجمهور حابس أنفاسه ليشاهد نتيجة هذا الموقف المحرج فاذا بصوت قوي جهوري من وسط الجمهور يصرخ علشانك ببلاش…كان صاحب الصوت قد شاهد الفلم وهو ردد المشهد قبل ان يعرض… كان صاحب الصوت شخصية تجدها في كل مكان وخاصة في المسيرات والمناسبات الوطنية يهتف بصوته القوي كما كان من الوجوه البارزة في عزاءات عاشوراء شكله مميز سمين يرتدي دشداشه يحيط خصره حزام ظللت أراه حتى أواخر السبعينات حيث عمله في سوق الصفافير.
من سينمات تلك الفترة سينما السندباد المشهورة في خمسينات القرن الماضي والتي شاهدت فيها أفلام كثيرة حيث كانت وجهتنا الأولى أيام الأعياد شاهدت أفلاما كثيرة خاصة طرزان وأفلام في الغالب أميركية أتذكر منها فلم رعب لهتشكوك وفلم لجاك بلنس وفيكتور ماتيور.
في الباب الشرقي وقرب البانزين خانه ظهرت سينما أطلس في السبعينات لكني أتذكر اني إرتدتها مرة واحدة، وفي شارع الرشيد وفي منطقة المربعة كانت تقع سينما برودوى (علاء الدين لاحقا) وقد كانت حية ونشطة في الخمسينات والستينات، شاهدت فيها فلم “الشعلة” والسهم لبرت لانكستر وكذلك فلم لا أنام لفاتن حمامة وفلم سوبرمان وأفلام أخرى فقد كانت هذه السينما من السينمات التي أرتادها قرب سينما برودوى كانت توجد سينما الشعب (الزوراء سابقا) والتي كانت تعرض الأفلام العربية والهندية وقد شاهدت فيها فلم من كنكا وجمنا الهندي وأفلام عربية، كنت ارتاد هذه السينما غالبا في الاعياد برفقة بعض أخوتي الأصغر وهي الآن تستخدم كمخزن في شارع الرشيد وقرب المصارف كانت هناك سينما الحمراء التي هدمت وبني بدلها البنك المركزي…كانت سينما عائلية تعرض الافلام العربية،وفي نفس الشارع وقرب ساحة الأمين (الرصافي) كانت هناك سينما صيفي اسمها القاهرة وقد حل محلها موقف سيارات الرصافي وكانت تعرض أفلام قديمة وحتى إيرانية كنا نرتادها في العطلة الصيفية لانها على بعد مئات الامتار من بيتنا، أتذكر اني شاهدت في هذه السينما فلم فتنة وحسن وهو فلم عراقي وفل ايراني اسمه “قول أرسلان”.
نعود إلى الباب الشرقي حيث يجب ذكر سينما سميراميس وهى سينما حديثة كانت لفترة سينما المقدمة لكنها انحدرت لاحقا وقدمت أفلاما أجنبية جيدة أشهرها كان فلم زد الذي عرض العام ١٩٦٩ وأحدث ضجة كونه فلم سياسي يتحدث عن واقع يحاكي الوضع العراقي.
في شارع السعدون وعلى بعد مئات الأمتار من سينما سميراميس تقع سينما النصر وهي أقدم السينمات الحديثة حيث تأسست في الستينات وكانت صالتها وقتها أرقى صالة وقد شاهدت فيها الفلم العراقي نبوخذنصر وهو أول فلم عراقي ملون من بطولة سامي عبد الحميد، كذلك عرضت السينما سلسلة أفلام هرقل من تمثيل بطل كمال الاجسام العالمي والممثل ستيف ريفز وأشتهر وقتها فلم تاريخي اسمه ريموس وروميلوس كان الحصول على بطاقة أمر صعب جدا.
هناك في الباب الشرقي سينمات شعبية لم نكن نقترب منها حيث ترتادها فئة اجتماعية معينة يحتسي هؤلاء المشروبات وتكتظ صالتها ببائعي المزات بالطبع هناك سينمات في مناطق أخرى من بغداد لم ارتد أي منها.