قبل ان ينتبه المجتمع الدولي لحجم الخطر الذي يشكله فايروس كورونا (كوفيد 19 المستجد) كان اسلاف ذلك الفايروس قد بعثوا مثل تلك الرسائل للحياة والبشر على سطح هذا الكوكب الازرق. لاسباب وعلل نحن في غنى عن التطرق الى تفاصيلها في مقالنا هذا، لم تحظ مثل تلك الرسائل بالاهتمام اللازم، حتى بعدما اعلنت منظمة الصحة العالمية هذا الفايروس بوصفه جائحة تهدد الجميع من دون استثناء؛ ما زالت بعض القوى والاوساط النافذة تتعاطي معه وفقاً لمتطلبات مصالحها الفئوية والسياسية والمادية الضيقة. نواقيس كورونا واضحة وصريحة وشاملة ومباشرة، لنمط حياة البشر الاستهلاكي والشره، والذي الحق ابلغ الضرر بالحياة وسلامة البيئة على تضاريس هذا الكوكب الضاج بكل اشكال الحياة. مثل هذه الرسائل والاشارات وجهتها من قبل وفي مناسبات عديدة، غير القليل من الشخصيات العلمية والمؤسسات الرصينة المهتمة بأمر التعاطي الواعي والمسؤول مع نواميس الطبيعة وشروط الحياة السليمة والمتكافئة في هذا العالم، لكنها لم تجد اذان صاغية من قبل الحيتان القابضة على مقاليد امور ما يعرف بـ (الدول العظمى ومحاورها ومؤسساتها العسكرية والمالية الضخمة).
لقد اطاح هذا الفايروس وبوقت قياسي بالكثير من معالم الهيبة الزائفة لعالم اليوم، تعطلت الحياة والمصالح الحيوية لمليارات البشر، وشحبت الهلوسات العقائدية والايديولوجية وما يتجحفل معها من سرديات ومدونات وشعارات وادعاءات. عندما ينهمك المتناهشون على فرهدة الثروات وانتزاع السطوة والهيمنة على اكبر مساحة ممكنة من هذا الكوكب، وعبر الاستغلال المفرط لما اوجدته الثورات العلمية من وسائل وادوات وتقنيات، من دون الالتفات الى ما يرافق ذلك من نمو موازي للامكانية السلبية حذرت منه العقول والضمائر الحية؛ تصبح ابواب الحياة على هذا الكوكب مشرعة أمام كورونا المستجد وما سوف يرثه من سلالات فايروسية، يصبح امامها ذلك السلف مجرد مزحة. مع مثل هذه الموجة الشديدة من الخوف والذعر والهلع، الذي بسط هيمنته على المجتمع الدولي بكل تلاوينه ومدوناته و”هوياته القاتلة”، يجد العالم نفسه أمام مسؤولية الانعطاف مجدداً الى القيم والتوجهات والارث الذي يضع أمن وسلامة الحياة (كل اشكال الحياة) على رأس اولوياته، كي نتمكن من كبح جماح هذه السباقات الوحشية للسيطرة وفرض النفوذ.
أما بالنسبة لنا نحن سكان هذه المضارب المنكوبة بكل ما يحتاجه كورونا المستجد، من شروط حياة ومناخات وبيئة صحية واجتماعية وثقافية وارث عريق من الخرافات والخزعبلات؛ فمصائرنا (افرادا وجماعات) تتمايل على كف عفريت، بانتظار ما سوف تقذفه لنا الاقدار ومراكز البحوث ومختبرات الدول المتقدمة، من لقاحات ووسائل اغاثة تنتشلنا من هذه المحنة، قبل ان تتحول بهمة منابر ومنصات الشعوذة والتهريج؛ الى سيل جديد من “غضب الله” على عياله المارقين وغير ذلك من ترسانة علومهم المطلعة على تفاصيل ما في الارض والسماء.
ان غزوة كورونا (كوفيد 19) عرت هشاشة غير القليل من الانظمة السياسية والادارية، ومدى اغترابها وتنافرها وحاجات وتحديات عصرها، كما انها وبالرغم من الخسائر البشرية والمادية الجسيمة التي الحقتها؛ كشفت عن العلاقة الوثيقة للنظام السياسي والاداري وحجم تأثير وفاعلية تلك الجائحة، وما مثال تايوان (المحاذية للصين) في التصدي لها، الا دليل واضح على تلك العلاقة، وبالمقابل هناك بلدان اخرى قدمت عكس ذلك تماماً…
جمال جصاني