لا يخفى على أحد، أن الانتخابات المبكرة أحد اهم مطالب المتظاهرين، الذين مازالوا يرابطون في ساحات التظاهر، منذ أشهر عدة. وهي أي الانتخابات المبكرة، كانت أحد برامج حكومة محمد توفيق علاوي الذي لم تنل ثقة البرلمان، لأسباب معلومة للجميع. والانتخابات، لا يمكن إجراؤها من دون وجود مقومات قانونية ولوجستية، تتمثل بعدة معطيات، أول تلك المعطيات هو قانون الانتخابات. فالقانون الحالي، الذي شرع في وقت كانت الادارة السياسية هي السائدة والمهيمنة على الخاطب العام للدولة، لا يتوافق مع مطالب المحتجين الذين علا صوتهم وارتفع مع ارتفاع صوت التظاهرات، إذ أن ذلك القانون ينص على منح الأحزاب حصصا في البرلمان على حساب المرشحين المنفردين، ويسهم في رفع أسهم الأحزاب والكتل السياسية في البرلمان. وهو ما دفع المتظاهرين في الأيام الأولى للتظاهرات إلى المطالبة بتغييره. وهو ما حصل فعلا، إذ صوت البرلمان على قانون جديد للانتخابات، يمنح حق التصويت على أساس الأفراد وليس على أساس الكتل والقوائم الحزبية والتكتلات الانتخابية.
فالناخب يصوت لمرشح يختاره هو ولا يصوت لكتلة انتخابية. ولكن القانون الجديد، ولد ناقصا، إذ لابد من وجود مكملات وملحقات له، لابد من إقرارها من قبل البرلمان ومفوضية الانتخابات وكل الجهات ذات العلاقة. إذ أن البرلمان شرع القانون ناقصا يحتاج مثلا الى آليات تحديد الدائرة الانتخابية الواحدة، وآليات تحديد حصة النساء من الكوتا، وآليات معالجة المناطق المختلطة… هذه الأمور لم ينص عليها قانون الانتخابات وترك أمر وضعها للجهات المختصة التي تقدرها على وفق معايير فنية وإدارية. فعدم وجود تلك المقومات لحد الآن، يجعل من أمر إجراء الانتخابات غاية في الصعوبة والتعقيد، بل يجعل من إقامتها أمرا شبه مستحيل. الجانب الآخر الأكثر صعوبة في مسألة عدم إمكانية إجراء الانتخابات من دونه، هي المحكمة الاتحادية العليا. فكلنا نعلم أن مجلس القضاء الأعلى، المكون الأهم من مكونات السلطة القضائية، وصاحب الصلاحية الواسعة في تطبيق القوانين الاتحادية، وصحاب الدور الأهم في العلمية الانتخابية، قرر وبناء على رؤية خاصة به، أن المحكمة الاتحادية في الوقت الحاضر، ليست مكتملة الانعقاد، بعد إحالة أحد أعضائها على التقاعد. ولم يشفع إحلال عضو احتياطي بدلا عن العضو المحال على التقاعد، كي يمكن عدّ أن نصاب المحكمة منعقد. وهو ما دفع المجلس المذكور لعدم التعامل مع المحكمة واعتبار أن ما يصدر عنها غير قانوني.
بالتالي فإن الدور الذي رسمه الدستور للمحكمة الاتحادية في العملية الانتخابية والمتمثل بتصديق النتائج النهائية للانتخابات والنظر في الطعون المقدمة من قبل الأعضاء وغير الأعضاء على من نال العضوية في مجلس النواب، أمر غير وارد، في ظل الرأي القائل بعدم دستورية المحكمة الاتحادية الحالية وبالتالي عدم دستورية ما يصدر عنها من قرارات واحكام. إذا: ثمة حاجة لاقرار قانون جديد للمحكمة الاتحادية يتناسب مع المرحلة الحالية وهو أمر مهم وضروري، خصوصا وإن القانون الحالي للمحكمة الاتحادية شرع استنادا لأحكام قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وليس بناء على الدستور الدائم. إجراء إنتخابات في ظل الوضع القانوني والقضائي الحالي أمر غير وارد، ولابد من تشريع وتعديل قوانين جديدة وتعليمات جديدة كي يتم الشروع فعلا بإقامة انتخابات مبكرة.
سلام مكي