عمرو حمزاوي*
وبعد أن تعلن نتائج الانتخابات البرلمانية في إسرائيل ويشرع الائتلاف الحاكم الجديد (حينما يتشكل وبغض النظر عن هوية مكوناته الحزبية) في تطبيق ما يسمى «صفقة القرن»، سيكون أمام الشعب الفلسطيني كخيار وحيد لمقاومة التصفية الشاملة لقضيته أن ينتفض سلميا.
الدعوة هنا هي إلى انتفاضة سلمية تذكر العرب وتذكر شعوب العالم بعدالة القضية الفلسطينية كقضية شعب يقاوم ويناضل من أجل حق تقرير المصير ومن أجل التحرر من سلطة احتلال مجرمة، كقضية شعب قتل وطرد وهجر من أرضه وأجبر على قسوة حياة مخيمات اللاجئين ومرارة العيش في المنافي الأبدية ولم يتنازل أبدا عن حقه المشروع في العودة، كقضية شعب يتواصل يوميا اغتصاب هويته وتاريخه وحقوقه وحرياته بإجرام استيطاني في الضفة الغربية والقدس وباعتداءات عسكرية مستمرة وحصار إجرامي لغزة وبمواطنة درجة ثانية وإجراءات تعقب وتهديد للفلسطينيين الذين يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية.
الدعوة هنا هي إلى انتفاضة سلمية تعيد الاكتشاف الجماعي لاستراتيجيات وأدوات المقاومة دون انجرار إلى فخ العنف الذي تريد سلطة الاحتلال الإسرائيلي فرضه على الشعب الفلسطيني. ولسلطة الاحتلال العديد من الدوافع لتوريط الفلسطينيين في العنف، من جهة لكي تزعم زيفا التساوي بين عنف المستوطنين المجرمين الذين يتشابهون في دمويتهم ووحشيتهم مع داعش وأخواتها وبين عنف الفلسطينيين وهم أصحاب الأرض المغتصبة، ومن جهة أخرى لكي تصطنع لنفسها زورا وبهتانا دور «الحكم» بين الفريقين المتورطين في العنف وتخرج على الرأي العام العالمي بمظهر الطرف المسؤول الحريص على تطبيق وإنفاذ القانون وتحقيق الأمن بإعلان السيادة الإسرائيلية على المستوطنات ومن ثم ابتلاع معظم أراضي الضفة الغربية.
يحدث ذلك، بينما سلطة الاحتلال تحمي المستوطنين المجرمين وتمكن لعنفهم وتتورط أيضا في العنف. يحدث ذلك، بينما سلطة الاحتلال تطلق إجرام آلة قتلها وتتحلل في قمعها واضطهادها وتعقبها وحصارها للفلسطينيين من جميع القيود الأخلاقية والإنسانية ومن القواعد القانونية بادعاء أنها تواجه أعمال عنف وتخريب واعتداءات ضد مدنيين. يحدث ذلك، لكي تلصق إسرائيل هوية «الإرهابيين» بالفلسطينيين بينما هم ينتفضون ضد الاحتلال والاستيطان والحصار ولكي تجدد الترويج الزائف لكون «عنف» الفلسطينيين هو سبب تعثر مفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية خلال العقود الماضية ومن ثم سبب تواصل غياب الدولة الفلسطينية وتأخر حق تقرير المصير وضياع كل «الفرص العظيمة» التي أتيحت للشعب الفلسطيني. يحدث ذلك، بينما سلطة احتلال أفرغت مفاوضات السلام من المضمون باعتداءاتها المستمرة على غزة وبنهج المماطلة إزاء المفاوض الفلسطيني وبتمويلها وحمايتها للإجرام الاستيطاني الذي قضى على الشروط الواقعية لحل الدولتين بقضم أراضي الدولة الفلسطينية المنتظرة، هذا القضم الذي تسوقه اليوم «صفقة القرن» كحل نهائي.
الدعوة هنا هي إلى انتفاضة سلمية تعيد الاكتشاف الجماعي لاستراتيجيات كالعصيان المدني في كل فلسطين، ولأدوات كمقاطعة كل إسرائيل وليس فقط المستوطنات والمستوطنين والامتناع عن التعامل مع كل ما هو حكومي إسرائيلي بالنسبة لفلسطينيي 1948 ومع كل ما هو تابع لسلطة الاحتلال أو منبثق عنها في الضفة الغربية والقدس وغزة. انتفاضة سلمية تمكن الشعب الفلسطيني، ممثلا في السلطة الوطنية بمعزل عن الموقف السياسي منها وفي منظمات المجتمع المدني التي دوما ما قادت المقاومة، من كشف وتوثيق الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها سلطة الاحتلال ومن طرق أبواب المحكمة الجنائية الدولية على نحو متماسك وبهدف معلن هو مساءلة ومحاسبة القتلة الإسرائيليين. وليس لمثل هذا الجهد أن يكتسب فرص النجاح المبتغاة دون أن يبتعد الفلسطينيون عن إعطاء إسرائيل «فرصة ذهبية» جديدة لتشويه المقاومة بالربط بينها وبين أعمال العنف وخاصة العنف ضد المدنيين الإسرائيليين. الدعوة هنا هي إلى انتفاضة سلمية لا يغتر المشاركون بها والمتضامنون معها بأحاديث «السكاكين التي تغير حسابات القوة والمعادلات الأمنية على الأرض» أو بمقولات تبرير العنف ضد المدنيين الإسرائيليين. فهجمات «السكاكين» لن ترتب سوى إطلاق يد آلة القتل الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين وغير الخلط الظالم في الرأي العام العالمي بين مستوطنين مجرمين وبين فلسطينيين تغتصب أرضهم. ومقولات تبرير العنف ضد المدنيين الإسرائيليين تتجاهل حقيقة أن جرائم الاحتلال والاستيطان وكذلك جرائم العنف الحكومي وغير الحكومي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني لا تضفي أبدا شرعية أخلاقية أو قانونية لا على العنف المضاد ولا على القتل خارج القانون، وتتجاهل أن القتل يظل مدانا حتى وإن اتجه إلى قتلة ومهما كانت المشاعر الإنسانية في أوج تأججها.
الدعوة هنا هي إلى انتفاضة سلمية تستطيع، بعد أن تفرض حقائق المقاومة والمقاطعة على الأرض وتحول دون التطبيق القسري لصفقة القرن عصفا بالحقوق الفلسطينية، أن تنفتح على حلول تفاوضية مع سلطة الاحتلال وبكل الوساطات العربية والدولية المتاحة.
*عن مركز كارنيغي للشرق الاوسط