علوان السلمان
الخطاب الشعري، بؤرة الوعي الجدلي القائم على التقنية الفنية والجمالية الصورية الجاذبة..
و(قذائف ورقية) المجموعة الشعرية التي نسجت عوالمها النصية بشقيها(النثرية والعمودية)التي ترقى بلغة النص الشعري ابتداء من الايقونة العنوانية الدالة بفونيميها التي تتجاذبها فونيمان شكلا جملة معبرة عن دينامية حركية. وهي محملة بدلالات معنوية تشكل بؤرة النص الكاشفة عن ذات قلقة.. انامل الشاعرة منى سبع واسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق على نشرها وانتشارها/2018..كونها نصوص مكتظة بالحسية الممزوجة بالأفكار الذهنية المشكلة لبنية اشارية قوامها اللغة التي تنقل مستهلكها(متلقيها) الى افق تصويري ايحائي..
بعد ان تعلمت الاحزان كلها
واجتزت الاختبار بنجاح
قيل لي:
لا تقتربي من شجرة البهجة
واقتربت..
فأخرجتني هذه الزلة
من مضارب العشيرة /ص29
فالخطاب الشعري تجليات الذات المنتجة للكشف عن صيرورتها وهي تزاوج ما بين الذات والموضوع عبر واقعية الحدث المتناص وقوله تعالى(ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) البقرة/34..بلغة المجاز التي تحيل الى اجواء الرمز الذي هو (تعبير عميق الفكرة مزدوج المعنى)…يسهم في توسيع مديات النص مبنى ومعنى ويستفز الذاكرة ويحركها من اجل فك مغاليقه والوصول الى دلالاته ومعانيه فضلا عن اعتمادها الحوار المنولوجي بتصوير الذات في صراعها مع كينونتها الداخلية لخلق الصورة التي تعبر عن تجربة ذهنية مختزلة، سابحة في عوالم التخيييل.
يا ليلة العيد لا تبكي لمئذنة
في ناظريها العدى قد اضرموا اللهبا
بيت الحجارة لا يحتار صانعه
اذا أراد له أن يبلغ السحبا
لكنه الدمع من يقوى ليرجعه
الى منابعه لو فارق الهدبا؟
يا ليلة الله هل مرت بنا سنة
وما أتانا هلال العيد منتحبا؟
حتى غدونا مع الافراح في حزن
وقد فزعنا وكل يجهل السببا /ص61 ـ ص62
فالشاعرة(المنتجة) تسيطر عليها المؤثرات الخارجية مسهمة في بلورة الفكرة والاستغراق في عوالمها، فتمتزج في وجدانها وتحضر في صورها ودلالاتها بلغة تمتلك مؤثراتها الجمالية وقدرتها التواصلية المانحة للصورة الشعرية المكتنزة بمضامينها الانسانية التي تتفاعل ومنظومة القيم المجتمعية. فتدخل في سايكولوجية التواصل بوصفها خطابا غنيا بالدلالة.. لتحقيق الامتاع الروحي والانتفاع الذهني بتوليد الاسئلة، اضافة الى موائمتها بين الايحاء الشعري والموقف الفكري من خلال توظيفها المفردات ذات الدلالة الجمالية التعبيرية والاحتجاجية المنتفضة التي تلامس ذاتها فتقدم بوحا يعكس مدى ارتباطها بموضوعها الشعري(تهديم مئذنة الحدباء الموصلية).. وفق اشتراطات فنية ولغة بعيدة عن الضبابية..
لأنني منك أنت وأنت مني
يحق لي العتاب فلا تلمني
وحتى لو شكوتك مستجيرا
فذلك ليس من باب التجني
لاني ما بخلت عليك….تدري
ولا عرفت عطاياي التأني
فكم منحتك أيامي شذاها
وقلت لها بأني كذا واني..
وها هي بانتظارك منذ عمر
تعللها بقطر لم يصلني / ص65ـ ص66
فالنص يكشف عن اهتمام المنتجة(الشاعرة) بالجانب الجمالي وانتقاء الالفاظ المنغمة الخالقة لإيقاعها الداخلي المتداخل والخارجي(القافية الموحدة) لخلق صور شعرية مستفزة للذاكرة ومتناسبة مع الموقف الفكري وانعكاساته الوجدانية التي اعتمدت المنطق الواعي بتلمس الواقع وموجوداته في بناء فني كاشف عن التناقضات الثنائية(الذات والموضوع) وفق رؤية متعالقة والحالة النفسية.
وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا حافلة بانزياحات الذاكرة ومتكئة على فلسفة جمالية واعية معبرة عن ابعاد نفسية وانفعالية بتوظيف المجاز والاستعارة عبر سياق درامي ومفردات تمركزت فيها الطاقة الايحائية بكل مستوياتها وتراكيبها ودلالاتها برؤية ابداعية متناغمة الرؤى من خلال تتابع الصور وتداخلها.