طلال عوكل
ينتهي العام الأخير في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، والناس يتداولون التهاني، وتداول عبارة «كل عام وأنتم بخير»، مع تمنيات بعام قادم أفضل، لست أدري هل هي صيغة لإقناع الذات، أم لإقناع الآخر، بأن البقاء أحياء يتنفسون هواء ملوثاً، كافٍ لإبقاء جذوة الأمل بقدوم الأفضل، أم هي العادة التي تعكس تعود الفلسطينيين على واقع مرير صنعته أيديهم منذ أكثر من عشر سنوات، واستقر على بلاء كبير وخطير خلال العشرية المنصرمة.
بماذا يمكن أن يتفاخر الفلسطيني أمام مواليد هذه العشرية، إلا بكونه فلسطينيا، ينتمي إلى شعب الجبارين؟ العالم العربي انفجر بكامله مع نهاية العشرية التي سبقت هذه العشرية، لكن الوحدة الفلسطينية انفجرت قبل وقوع الانفجار العربي.
إذا كان الانفجار الفلسطيني الذي أوجد هذا الانقسام الخطير، مؤشر فأل على ما ينتظر الانفجار العربي، فقد نصل وإياهم إلى منتصف القرن، ونحن وهم لم نزل عاجزين عن لملمة أشلائنا، غير أننا إن كنا لا نشعر بالتفاؤل إزاء إمكانية استعادة وحدتنا الوطنية كفلسطينيين بسبب غياب الإرادة، وتناقض الحسابات، وتحول الانقسام إلى مصلحة للكثيرين، بالإضافة إلى وجود ودور للاحتلال، فإننا نتفاءل أكثر، بأن تدمير البيت العربي القديم والآيل للسقوط هو السبيل لبناء بيت عصري، على انقاضه.
معظم الشعوب العربية تحركت، لهدم بيوت العنكبوت، والبدء ببناء بيوت جديدة، سوى الفلسطينيين وبعض الشعوب التي تنتظـر دورهـا للتعاطي مع آليـه الهـدم والبنـاء.
بدأت مصر ثم تونس وليبيا وسورية، واليمن وتأخرت السودان، ولبنان والعراق، ما يعني نصف الدول العربية، تقريباً، دماء كثيرة سالت، ومدن تدمرت في بعض الدول لكن شعوب مصر وتونس، والجزائر والسودان، نجت من عمليات الهدم المكلفة، وشقت طريقها إلى عصر جديد، الصعوبات كثيرة والمتدخلون كثر، وهم فاعلون لكن إرادات الشعوب تغلبت وفي سبيلها للتغلب على كل تلك العقبات، وتمضي بثبات نحو عصر الديمقراطية، والتنمية الحقيقية، والدخول في مسارات التاريخ المعاصر للأمم.
ماذا يرى المسؤولون الفلسطينيون حين يقارنون الانفجار الذي وقع بينهم، بالمقارنة مع الانفجارات التي وقعت وتقع في معظم الدول العربية؟ هل يجرؤون على أن يقدموا فلسطين نموذجاً ومثالا طليعيا للامة العربية وشعوبها، وهم الذين فرطوا بوحدتهم وقدموا افضل الهدايا للاحتلال الإسرائيلي؟ هل سيدعون أن الشعب الفلسطيني نجا من القتل والتنكيل على يد الاحتلال، وقبل ذلك على ايدي الفلسطينيين الذين لا يكفون عن ترديد أغاني المقاومة؟
هل سيدعي المسؤولون الفلسطينيون أنهم نجحوا في تعزيز صمود الشعب، وانهم حموه من العوز والفقر، وضنك الحياة وفقدان الكرامة الشخصية؟
هل خرج الشعب إلى الشوارع، لغرض إنهاء الانقسام، وهل نجحت جهود الفصائل بين فتح وحماس على كثرتها، في أن تجسر الهوة بين الطرفين وان تفرض إرادة الوحدة، على حسابات الانقسام، واستراتيجيات الاحتلال؟
بماذا يودع الفلسطينيون هذا العام وهذا العقد، المليء بالإخفاقات والطافح بالأوجاع والآلام، وتراجع الآمال، بعد أن فشلوا في استعادة وحدتهم لجر صناديق الاقتراع، في انتخابات يعرفون سلفا انهم غير قادرين على إجرائها بمعزل عن القدس، وفي ظل تمنع ورفض الاحتلال عن مشاركة المقدسيين بالشكل والآليات التي تحفظ الحق الفلسطيني في عاصمتهم؟
كثيرة الأسئلة الموجعة، ولكن لا يجوز لأحد أن يتلو على الناس أناشيد الانتصار، ذلك أن الانتصار المطلوب، هو الانتصار على الذات، من خلال إجراء مراجعات جريئة، تجيب عن هذه الأسئلة علنيا، وتقدم حلولا حقيقية، لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمن الانقسام خلال ما يقرب من ثلاثة عشر عاما، فلماذا يا ترى لا ندفع ما دفعناه من اجل استعادة الوحدة، طالما ان استمرار الانقسام كفيل بأن يدفع الفلسطينيون ما هو اكثر من الدموع والدم؟
مع نهاية العام والعشرية ثمة حدثان متناقضان، احدهما يشير إلى التطور الإيجابي الذي وقع على جبهة المحكمة الجنائية الدولية، ومنح الفلسطينيين أملا بخوض معركة ستكون شرسة وصعبة في ملاحقة ومحاسبة الاحتلال على الجرائم التي ارتكبها.
أما الحدث الآخر، فتمثل في سريان مفعول هدنة أو تهدئة، لا احد يدري بالضبط بين فصائل المقاومة في قطاع غزة وبين إسرائيل، سيدعي أهلها، أنها تشكل انتصارا لمسيرات العودة التي فرضت على الاحتلال تخفيف أو رفع الحصار المفروض على القطاع.
وستدعي إسرائيل أيضا أنها نجحت في تحقيق الهدوء والأمن، لسكانها ومستوطنيها، مع استمرار فعالية استراتيجيتها الرامية لتأبيد الانقسام، ودفع القطاع نحو الانفصال التدريجي.
هذه هي حصيلة العام وبشكل عام أيضا، أما الخوض في تفاصيل الأحداث التي وقعت، فانه سيعطي علامة كاملة للاحتلال الذي واصل استيطانه وتهويده للقدس، وانتقل نحو تهويد الخليل، ويثابر كل الوقت لتنفيذ مخططاته التوسعية العنصرية على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه وأرضه.
- عن صحيفة الأيام الفلسطينية