خلّفت استقالة رئيس مجلس الوزراء مؤخرا الكثير من الجدل بسبب طريقة تقديمها، فهناك مختصون يرون أن الاستقالة يجب أن تقدم الى رئيس الجمهورية باعتبار انه هو من كلفه بتشكيل الحكومة وهناك من يرى صحة تقديم الاستقالة الى مجلس النواب. كذلك كشفت الاستقالة عن وجود خلل في الدستور، يتضمن عدم وجود نص صريح ينظم حالة استقالة رئيس مجلس الوزراء ومن هي الجهة التي تقدم لها الاستقالة.
وما إن خفت الكلام عن الاستقالة، حتى برز مأزق ومشكلة دستورية وقانونية تمثلت بالكتلة الأكبر، حيث إنه وحسب نص المادة 76 من الدستور فإن الكتلة الأكثر عددا هي التي تتولى ترشيح رئيس مجلس الوزراء، وهذا ما يفترض أن رئيس الجمهورية ومجلس النواب طبقا لهذه المادة، حين تم ترشيح السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء. ولكن رئيس الجمهورية طلب مؤخرا عبر كتاب رسمي من مجلس النواب، تحديد الكتلة الأكثر عددا ليتولى مفاتحتها لغرض تقديم مرشح عنها ليتم تكليفه بتشكيل الوزارة. مجلس النواب، بدوره رد على رئيس الجمهورية بكتاب ينص على أن مجلس النواب قد بين لرئاسة الجمهورية مسبقا من هي الكتلة الأكثر عددا والتي على ضوئها تم تكليف عبد المهدي. وبالعودة الى مرفقات كتاب مجلس النواب الأخير، نجد أنه لم يشر الى اسم الكتلة النيابية الأكثر عددا، بل اشار الى وجود تواقيع من قبل رؤساء كتل سياسية وأحزاب داخل مجلس النواب، هي التي اتفقت على ترشيح رئيس الوزراء المستقيل، وهي من طلبت من رئيس الجمهورية تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء. وهذا يعني بالنهاية أن رئيس الجمهورية ومجلس النواب، قد خالفوا الدستور مخالفة كبيرة، عندما قرروا ترشيح شخصية خارج الكتلة الأكثر عددا استنادا للدستور. وإن جواب المجلس على كتاب رئيس الجمهورية يعني تكريس تلك المخالفة والاصرار عليها، حيث إنه من غير الممكن أن تكون الكتل التي اتفقت على ترشيح عبد المهدي باقية اليوم على موقفها، ثم إن الفكرة أساسا هي مخالفة للدستور، فيفترض أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا، والتي حددتها المحكمة الاتحادية مسبقا بأنها التي تتشكل داخل مجلس النواب، وليس الكتلة الفائزة.
إن هذه المشكلة الدستورية التي لا يمكن كشفها أو الحديث عنها لولا استقالة عبد المهدي والتي جاءت بسبب التظاهرات والرفض الشعبي المستمر. المطلوب من النخب والمثقفين والمختصين بالقانون، هو اللجوء الى المحكمة الاتحادية لغرض ايقاف جميع الاجراءات التي تقوم بها الكتل السياسية الحالية لتسمية رئيس لمجلس الوزراء خلافا للدستور، وكذلك الطعن بحكومة عبد المهدي كونها غير دستورية وهو ما حصل فعلا، حيث تنظر المحكمة الاتحادية دعوى للطعن بعدم دستورية حكومة عادل عبد المهدي. إن اللجوء الى القضاء في الوقت الحاضر والاستمرار بالتظاهرات السلمية هو الحل الأمثل للوقوف بوجه الخروقات الدستورية المتكررة من قبل الكتل السياسية.
سلام مكي