محمد ساري الزعبي*
منذ أن قطعت السعودية علاقاتها مع إيران بعد نهب السفارة السعودية في طهران وإحراقها، تفاقمت الاضطرابات وأصبح من غير الممكن تقريبًا تفادي احتمال قيام مواجهة عسكرية كاملة، لاسيما بعد الهجوم في شهر أيلول على حقول النفط السعودية في بقيق.
نظرًا إلى التهديد الحقيقي جدًّا لنشوء نزاع علني، يجب أن يجد كلا الطرفين قنوات للتقارب قبل أن يتأزّم الوضع أكثر فأكثر. فعلى الأقل، يجب أن يتّفقا على المبادئ الأساسية للحفاظ على الاستقرار وتأمين حاجات شعبيْهما.
في خلال الأشهر القليلة الماضية، برزت علامات محتملة لإمكانية المباشرة بتهدئة الاضطرابات. فنقلت «وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية» («إيرنا») التابعة للدولة الإيرانية ملاحظات حسن روحاني في 3 كانون الأول/ديسمبر، حيث قال إنه «من وجهة نظر إيران، لا مشكلة في تطوير الروابط مع البلدان المجاورة واستئناف العلاقات مع السعودية».
ليست المرّة الأولى التي تعرب فيها شخصية رسمية إيرانية عن اهتمامها المحتمل في إعادة إنشاء العلاقات مع السعودية. فيقوم وزير الخارجية محمد جواد ظريف بمفاتحات مشابهة منذ أشهر، ونقلت عنه «إذاعة جمهورية إيران الإسلامية» في أوائل تشرين الأوّل/أكتوبر تلميحه إلى احتمال استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ففي ذلك الوقت، أفاد ظريف أنه إذا تابع السعوديون القضايا الإقليمية على طاولة المفاوضات، لا شكّ في أن «الجمهورية الإسلامية ستجاريهم». وردّ وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير يوم الثلاثاء التالي، مشيرًا إلى أن «وزارة الخارجية جاهزة دائمًا للتعاون مع البلد المجاور لنا»، ومضيفًا أن «التهدئة يجب أن تأتي من الطرف الذي يصعّد».
فيما لا بدّ من النظر إلى التصريحات العامة المذكورة أعلاه مع تنبيهاتها بعين الشك، فهي تشير على الأقل إلى أساسٍ للحوار بين الدولتيْن قد يؤدي إلى تقاربٍ محتمل. ويبقى الطريق نحو المصالحة طويلًا ومحفوفًا بالعراقيل، إلا أن التشديد على السبل المحتملة لتحقيق نتيجة مشابهة أمرٌ في غاية الأهمية من أجل تشجيع هذا الحدث.
طالما كانت سياسة السعودية إزاء إيران ناتجة عن نظرتها للتهديد الذي تطرحه إيران على المجتمع الشيعي في المنطقة. فتُعتبَر محاولات إيران لإشراك الفصائل الشيعية في البلدان العربية، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، أمرًا خطيرًا بشكلٍ خاص وانتهاكًا لسيادتها. إلا أنه بسبب عدم تحقيق النتائج المرجوّة لاستراتيجية «الهلال الشيعي» في لبنان والعراق، وبسبب القمع العنيف الذي تمارسه إيران على الاحتجاجات المحلّيّة، قد تميل الجمهورية الإسلامية الآن بشكلٍ خاص إلى إعادة النظر في قابلية استمرار هذه الاستراتيجية في دول مجلس التعاون الخليجي.
بدلًا من ذلك، سيكون من المفيد لكلا الطرفيْن العمل للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي على «الاستقرار مقابل الاستقرار» قد يُثبت أنه نافعٌ بشكلٍ متبادل لهاتيْن الدولتيْن اللتين تتمتعان بالسيادة. ويجب أن يشمل هذا الاتفاق تدابير لبناء الثقة من أجل حماية العلاقات المستقبلية، وأن يدفع إيران بشكلٍ خاص إلى التخلي عن أجندتها الإيديولوجية العدوانية التي اعتمدت عليها للتأثير في العالم العربي عبر السنوات الأربعين الماضية.
في حال أي تقارب محتمل، يكمن الخطر في التفاصيل. فيزيد احتمال نجاح الاجتماعات الابتدائية المتوسطة المستوى حين تُجرى في بلدٍ آخر، مثل باكستان، من أجل تعزيز حس الحياد. وتشكّل البلدان ضمن الاتحاد الأوروبي على نحوٍ خاص خيارًا حياديًّا بشكلٍ نسبي، لا سيما إذا تمكّنت قيادة الاتحاد الأوروبي من الحضور حتى تؤدي دور الوسيط في النقاش. وإلى ذلك، لا بد من أن تدعم الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة، أي اتفاق وأن تشرف عليه.
تقتضي العداوة التاريخية بين الدولتيْن أيضًا عنصرًا ثقافيًّا للتقارب على مستوى الدولة. ولتحقيق هذه الغاية، على السعودية وإيران إقامة اجتماعات ثنائية بين كبار المسؤولين والعلماء والشخصيات العامّة لتشجيع الحوار وإغناء أواصر هذه المجموعات ضمن قطاعات المجتمع المتداخلة. وتشكّل العلاقات التي يتم إنشاؤها عبر هذه الاجتماعات السعودية-الإيرانية المشتركة خطوةً استباقيةً لتفادي الأزمات المستقبلية عبر تشكيلها جسرًا بين المواطنين وصانعي القرار. فسينقل المجتمع المظالم العامة ويوصي بحلول مطّلعة قائمة على النظريات الأكاديمية والمعايير الدولية والمصالح الإقليمية – ما يعزز بالإجمال صحة الحوار السياسي.
خارج الاتفاقات الثنائية، قد تشكّل الجهود الأوسع نطاقًا في التعاون الإقليمي نافذةً لتهدئة التوترات. ففي خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول ، أطلق روحاني مشروعًا حول السلام الإقليمي لإرساء الاستقرار في الخليج ومضيق هرمز، وهو يُدعى «تحالف الأمل». وفيما لم تَصدر بعد أي تفاصيل إضافية حول الخطة، قد يشير تشديد روحاني على وصف الخطة كطريقة للتخلص من التدخل الأجنبي – بالتحديد الأمريكي – في المنطقة إلى أن إيران قد تكون منفتحة على نوعٍ مشابهٍ من التنظيم تحت رعاية دولية إذا لم تكن الولايات المتحدة معنيّة.
في المبدأ، إن فكرة تطوير هيئة إقليمية تتمحور حول مضيق هرمز هي فكرة واعدة جدًّا. إلا أن هذه الهيئة لا يمكن أن تقودها إيران وحدها. بالأحرى، يمكن أن تنشأ هيئة مماثلة من خلال تأسيس محكمة إقليمة معنية بشؤون دول الخليج وإيران (مجموعة 6+1)، مع عضوية البلدان الإقليمية حصريًّا وتحت إشراف الهيئات الدولية، كالأمم المتحدة.
مع التطلع أكثر نحو المستقبل، يمكن أن تشرف هذه المحكمة الإقليمية أيضًا على قوة شرطة مشتركة إقليمية، تقوم برصد الشبكات الجنائية الخاصة بالدول الأعضاء والعابرة للحدود وضبطها – وهي نقطة جدل أساسية في حركة الملاحة البحرية على امتداد مضيق هرمز. فستعزز قوة شرطة مشتركة بهذا الحجم القدرة الأمنية الداخلية والخارجية الخاصة بالبلدان المشاركة. وإلى ذلك، على المحكمة أن تلتزم بحل النزاعات الإقليمية عبر العمل الجماعي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
مع أن هذه الخطوات ما زالت حبرًا على ورق، من المهم البدء بمناقشة المناورات المنطقية المحتملة والمتاحة أمام الدولتيْن من أجل تهدئة الاضطرابات التي تتصدّر حاليًّا علاقتهما. وعلاوةً على ذلك، إن أي محاولة للدخول في حوارٍ سلمي قد تعطي كلًّا من البلدين حسًّا بالمزيد من المصداقية تجاه المجتمع الدولي، وهو أمرٌ تفتقر إليه بشدة الدولتان كلتاهما. وإذا تمكّن هذان الخصمان من إيجاد أرضيّة مشتركة، ربما يعطي ذلك أملًا في إخماد لهب النيران الأخرى التي أشعلتها سنواتٌ من النزاعات الإقليمية المحيطة.
- باحث في مجال شؤون الشرق الأوسط.