حاورها: كه يلان مُحَمد
تحولت الرواية إلى فضاء يستوعبُ الهموم والتطلعات الإنسانية وبما أنَّ الواقع يكونُ مصدراً أساسياً للمادة الروائية لذا لايستغربُ أن تنعكس في النص الروائي صورته هذا إضافة إلى أنَّ الخلفية الثقافية والتجربة الذاتية تلقي بظلالها على أجواء المنجز الأدبي لأنَّ النص لا ينفصل عن هواجس الذات الكاتبة وحيثيات حياتها كل ذلك يصبحُ نواةً في تشيكلة العمل الأدبي الذي يعتمدُ على المراوغة لإرتياد ماهو مقصيُ أو لإبانة ماهو واقع في العُتمة وكان خيار الكتابة وخصوصية ماتنشره المرأةُ من النصوص الروائية كان لنا الحوار مع الروائية التونسية نادية الشتيوي حيث صدرت لها رواية «الغريب»
- أصبح حضور المرأة في المشهد الروائي لافتا هل يعزى ذلك إلى ما يوفره فن الرواية من إطار أوسع للحرية؟
إن الأدب بصفة عامة والأشكال الأدبية سواء كانت شعرا أم نثرا تمثل أداة او وسيلة تعبر من خلاله المرأة عن دواخلها وتطرح فيه قضاياها كفضاء أو كمتنفس للتعبير. الأدب عموما يمثل فضاء للمرأة كي تبوحَ وتعبر ويُسمع صوتها. إلا أن الرواية بشكل خاص وكمجال للتعبير والتجلي تحتل مرتبة خاصة نظرا للمساحة التي يتجلى فيه صوت الكاتبة أو الروائية لتحتل مساحة أكثر شساعة فتتواتر الضمائر ومكر الحكي والشخصيات و الأحداث. وبذلك يبدو المشهد الروائي عاملا أو محفزا للكتابة النسوية التي تحتاج إلى مجالات للحرية الإبداعية والفكرية لكي ترسم أبعادا أخرى اجتماعية وأخلاقية وسياسية. - يعتقدُ بعض النقاد بأن المصدر الأساس لأعمال الروائيات هو الهموم النسوية مارأيك حول هذا الموضوع؟
إن العملية الإبداعية هي نتاج لتراكم نفسي واجتماعي وفكري. فالكاتبة لا يمكن أن تكتب من دون أدوات لغوية وفكرية قد تكون نتاج لثراء ثقافي، زد على ذلك الظروف المحيطة بلحظة الكتابة وأخيرا الاثار النفسية المترتبة عن كل ما مرت به الكاتبة. إن العملية الإبداعية لحظة مميزة تحتاج إلى قادح وكما قال المسعدي «الأدب مأساة أو لا يكون»، فان الإبداع الحقيقي لا يكون إلا وليد إحساس بالألم والعذاب وهذا ما يخلق في حد ذاته أفضلَ الأعمال الأدبية وأرقاها. يصبح بذلك العمل الأدبي لوحة رسم عليها الأديب أو الروائي نسيج آلامه وهمومه. لو ذكرت في هذا السياق رواية «الغريب «فاني أتذكر لحظة شروعي في كتابة الفصول الأولى عندما أحسست بأنها اللحظة الحاسمة لانبثاق عمل إبداعي كان نتيجة توترات وآلام أحسست بها قبل كتابة الرواية. - فيما يتعلق بتجربتك الروائية هل هناك حدث قد ألهمك بكتابة «الغريب»؟
الغريب روايتي الأولى والأغرب أني لم أفكر بكتابة رواية قبلا. كانت أول ما نشرت بالرغم أني فكرت بنشر مجموعة شعرية في البداية. «الغريب» هي رواية الصدفة والأشياء اللامتوقعة. عندما بدأت بكتابة الرواية كنت قبلها منهمكة في بعض البحوث الاكاديمية عندما تركت ما كنت اقوم به وبدأت اكتب واكتب وأنا لا أصدق بأني اكتب روايتي الأولى، كنت اكتب وأسائل نفسي: إن كنت سأنجح بكتابة رواية. اللحظة التي أعلنت فيها هذا الإبداع هي لحظة تراكمات عاطفية قادتني لرسم شخصية أروى التي تشبهني وتشبه بنات جيلي. أردت أن أرسم جزءا مني على الورق وأحاول جمع شتاتي وتشظياتي في عمل فني أردته أن يكون مميزا. ربما أيضا حاولت أن اجمع بين انتمائي وثقافتي العربية وميولاتي الغربية في روايتي «الغريب» لأني قبل أن اشرع في كتابة الرواية تأثرت بسلسلة أمريكية. - كيف كانت علاقتك بفن الرواية قبل أن تبدأى بكتابتها؟
قبل الشروع في كتابة «الغريب» كنت مولعة بمطالعة الروايات، فالبرغم من أني أقرا كتابات متنوعة لكني كنت أفضل الروايات. في بداياتي قرأت الروايات التاريخية لجرجي زيدان ومن ثم الروايات الواقعية لنجيب محفوظ مرورا باحسان عبد القدوس وعبد الحليم عبد الله وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور. بعد ذلك بدأت انفتح على الرواية الجزائرية وقرأت لأحلام مستغانمي التي تأثرت بها وواسيني الاعرج. في الوقت الحالي أحاول أن اقرأ بعض الروايات المترجمة وانفتح على أدب العالم وخاصة فيما يعرف بجنس النوفيلا. - برأيك ماهي خصوصيات كتابة الرواية؟
إن كتابة الرواية عملية دقيقة فبقدر ما يستسهل البعض هذا الجنس الأدبي إلا انه يتطلبُ الدراية. بنظري الكتابة الروائية تحتاج إلى إلمام بالتفاصيل والغوص في داخل الشخصيات والأحداث خاصة إذا كانت الرواية طويلة. الكاتب أثناء كتابته للرواية يحتاج إلى التماهي مع شخصياته كما يحتاج إلى التفكير في عنصر التأثير والتأثر في علاقته مع القارئ. المدارس النقدية الحديثة تعطي أهمية كبرى للقارئ الذي يساهم في تركيب المعنى وتفكيك النص ليبنى المعنى الكامل للنص. الروائي المعاصر يجب أن يكون واعيا بهذه التفاصيل حتى ينتج نصا معاصرا، منفتحا وقابلا للتأويل بأشكال عديدة فيستعمل بذلك تقنيات التفكيك ولعبة الضمائر والراوي ليغوص معه الكاتب في عملية إنتاج المعنى.