القسم الثاني
تشارلز ثيبوت و ماثيو ليفيت*:
ووفقاً لموجز السياسة الصادر من قبل «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» في 25 تشرين الأول/أكتوبر، هناك حوالي 2000 مقاتل أجنبي من بين حوالي 11000 محتجز من تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال شرق سوريا. وأشار المصدر نفسه إلى أن حوالي 200 من هؤلاء المقاتلين فقط هم أوروبيين، لكنهم ما زالوا يشكلون تهديداً كبيراً من حيث شن هجمات إرهابية مستقبلية في القارة.
ويأتي غالبية المقاتلين الأجانب من دول عربية أخرى، حيث تكافح المؤسسات المحلية للتعامل معهم دون دعم دولي. لننظر [على سبيل المثال] إلى العدد الكبير من المقاتلين التونسيين؛ إن عودتهم إلى ديارهم بشكل جماعي يمكن أن تؤدي إلى تكرار تجربة الجزائر قبل ثلاثة عقود، عندما لعب المحاربون الأفغان العائدون دوراً رئيسياً في الحرب الأهلية في البلاد.
وبالفعل، بينما يدعو بعض الخبراء إلى إعادة المحتجزين إلى أوطانهم الأم، إلّا أن العقبات اللوجستية وأوجه القصور القانونية المحتملة من شأنها أن تُعقّد هذا الاقتراح (على سبيل المثال، صعوبة جمع الأدلة للمحاكمة). وليس هناك خيارٍ سهل لمحاكمة هؤلاء المقاتلين، كما أن القضايا العملية الأخرى هي عملاً قيد الإنجاز، مثل تطوير برامج إعادة الإدماج للأفراد المتطرفين، والعنيفين في بعض الأحيان الذين قضوا عقوبتهم. بالإضافة إلى ذلك، تعارض الجماهير الأوروبية إلى حد كبير إعادة هؤلاء المحتجزين إلى أوطانهم.
ومع ذلك، يشكّل التعامل مع المقاتلين الأجانب واقعياً الجزء الأصغر من المشكلة. فمعظم المقاتلين المحتجزين البالغ عددهم 11000 شخص هم سوريون وعراقيون يستطيعون إعادة بناء تنظيم «الدولة الإسلامية» في كلا البلديْن إذا تُركوا للقيام بما يريدونه أو يمكنهم القيام بذلك دون أن تتحكم بهم أو تساعدهم أي جهة خارجية، تماماً مثلما لجأ تنظيم «القاعدة في العراق» إلى العمل السري في الفترة 2007-2009 قبل أن يعاود الظهور باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» في عام 2011.
وبما أن مصير المقاتلين المحتجزين هو قضية دولية تؤثر بدرجات متفاوتة على حوالي أربعة وخمسين دولة، إلّا أن هناك خيار آخر يتمثل في محاكمتهم من خلال ولاية قضائية دولية مخصصة لهذا الغرض، على غرار «المحكمة الجنائية الدولية» ليوغوسلافيا السابقة. ومع ذلك، يجادل الخبراء بأن إنشاء مثل هذه المحكمة قد يستغرق الكثير من الوقت ومن المرجح أن تعارضه الدول الرئيسية. على سبيل المثال، يبدو أن روسيا عازمة على دفع النظام السوري للسيطرة على معسكرات الاعتقال، مع احتمال استخدام المقاتلين الأجانب لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» كورقة مساومة مع الغرب.
اختبار القيادة الأمريكية
إلى جانب مناقشة حلول محددة، سيكون الاجتماع بمثابة اختبار للقيادة الأمريكية فيما يتعلق بالجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. إن المصداقية تتطلب الاستقرار – ففي أعقاب انسحاب واشنطن المتسرع من سوريا، سيكون من الصعب للغاية على كبار المسؤولين الأمريكيين إقناع الشركاء الغربيين ودول الشرق الأوسط بأن أي مقترحات يقدمونها هذا الأسبوع لن تتغير فجأة في الأسبوع التالي. لذلك قد لا يكون الحلفاء مستعدين لإرسال قوات أو القيام باستثمارات أخرى تعتمد على بقاء السياسة الأمريكية ثابتة. وعلى الأرجح، سيحاولون التكيف مع واقع موقف روسيا المعزز على الأرض في سوريا وتأثيرها المتزايد على مسرح الشرق الأوسط.
ويقيناً، يشير تركيز إدارة ترامب على تشارُك الأعباء إلى أنه ما زال هناك دور حيوي أمام التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» عليه القيام به. والأهم من ذلك، يوفر التحالف إطاراً للمناقشات الفنية والسياسية، خاصة مع المسؤولين العرب والأتراك، الذين سيكونون على الأرجح محوريين في مواجهة التهديد الذي يمثله الآلاف من معتقلي تنظيم «داعش». لكن السؤال الأساسي هو ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تريد مواصلة العمل من خلال تحالفات متعددة الجنسيات أو الاستثمار بصورة أكثر في العلاقات الثنائية.
وفي هذا النطاق، يقدّم نجاح خطوط الجهود غير العسكرية التي بذلها التحالف درساً حول ضرورة التعاون المتعدد الأطراف لمكافحة الإرهاب، والذي يشمل المستوى الاستراتيجي. وتستمر الظروف الأساسية التي أدت إلى ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» – أي سوء الحكم والفساد والقمع – في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولا تزال هناك ضرورة إلى التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا والعراق. وتتطلب هذه التحديات الصعبة قيام الولايات المتحدة وحلفائها بالانخراط دبلوماسياً على كافة المستويات، مثل الضغط على النظام السوري و»اللجنة الدستورية» التي تترأسها «الأمم المتحدة» بمساعدة تركيا. وفي العراق، يجب أن يستغل التحالف المناخ الحالي من الاحتجاجات المناهِضة للحكومة من أجل تعزيز الحوكمة الأكثر شمولية في الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية». واقترح البعض أيضاً توسيع نطاق التحالف لمواجهة التهديد الإرهابي والتمرد الذي تشكله ولايات تنظيم «الدولة الإسلامية»، التي انتشرت في أفغانستان والجزائر والكاميرون وتشاد والشيشان وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر والهند وليبيا ومالي وموزمبيق والنيجر ونيجيريا وباكستان والفلبين والسعودية والصومال وتركيا واليمن.
[وأخيراً]، فإن استراتيجية مكافحة الإرهاب الوطنية لإدارة ترامب لعام 2018 صبّت مباشرةً في مصلحة هذه الشراكات الواسعة النطاق كما يلي: «يتطلب عالمنا الذي يزداد ترابطاً أن نمنح الأولوية للشراكات التي من شأنها أن تؤدي إلى كل من الإجراءات والجهود المستمرة التي تقلل من الإرهاب. وبالتالي، ستشارك الولايات المتحدة مع الحكومات والمنظمات و … قطاع التكنولوجيا والمؤسسات المالية والمجتمع المدني». وفي هذا السياق، يغدو التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ضروريّاً اليوم بقدر ما كان ضروريّاً قبل الإخفاقات الأخيرة التي تعرّضت لها الجماعة الإرهابية.
- تشارلز ثيبوت، هو دبلوماسي فرنسي وزميل زائر مقيم في معهد واشنطن، وقد عمل سابقاً في المؤسسات الدبلوماسية الأوروبية في سوريا والجزائر والعراق وفرنسا وبلجيكا وألمانيا. ماثيو ليفيت هو زميل «فرومر- ويكسلر» ومدير برنامج «راينهارد» للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المعهد.