د.عبد اللطيف جمال رشيد
لا اعتقد بان كلمات الادانة والشجب والاستنكار باتت تكفي للتعبير عما يحصل من انتهاكات للاعراف والمواثيق الدولية، والقيم والمبادئ الانسانية من قبل الالة العسكرية للدولة التركية، في «روژئاڤا» شمالي سوريا ضد المدنيين الابرياء العزل.
الانتهاكات التركية الصارخة وتجاوزها بنحو فاضح على الاعراف والمواثيق الدولية والانسانية، وبينما يدل من جهة على النزعة الشوفينية لدى رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان، فهو من جانب اخر يعكس مدى قدرة المصالح الاقتصادية على قلب الحقائق، واظهار الحق على انه باطل والباطل على انه حق.
ما يحصل ضد ابناء المناطق الكردية وغيرها من المكونات في شمالي سوريا، من قبل الحكومة التركية، هو صفحة جديدة من التطهر العرقي والابادة الجماعية، ضد سكان تلك المناطق لا لشيئ سوى انهم من القومية الكردية.
موقف المجتمع الدولي ومعظم مؤسسات الولايات المتحدة عدا البيت الابيض الذي يحكمه رئيس اهوج، كان موضع تقدير باتجاه الاعتراض والحد من سياسات الدولة التركية، والاستمرار في تجاوزها والتمادي في اطماعها التوسعية، التي لن تتوقف دون شك عند قبرص وسوريا بل ستمتد الى العراق واقليم كردستان خصوصا، الذي تمتلك فيه تركيا اساساً ترسانة عسكرية كبيرة، وقرابة 21 قاعدة وثكنة عسكرية تمتد من كاني ماسي الى اطراف محافظتي اربيل ودهوك.
التواجد العسكري التركي الذي اصبح امرا واقعاً واحتلالاً جديداً لاقليم كردستان، يتوسع يوماً بعد اخر وهو يمر مرور الكرام، ورغم تستببه سنوياً بقتل العديد من المواطنين وتهجير سكان مئات القرى وحرق اراضيهم الزراعية، فان قوات الاحتلال هذه تصول وتجول دون وازع او رادع، بينما تعجز حكومة الاقليم عن ادانه الاحتلال التركي لاراضي الاقليم وانتهاكاته الصارخة، وذلك اضعف الايمان.
اردوغان الذي يدعى الدفاع عن حقوق الانسان والاسلام ويتلو ايات من القرأن الكريم في بعض المناسبات، دخل التأريخ كاسوء رئيس دولة استخدم الاسلحة المحرمة دولياً لقمع شعب مسالم جار، دون ان يهتم بانهم ايضا مسلمين، فضلاً عن دعمه للجماعات والتنظيات الارهابية بما فيها داعش.
ما يحصل الان من مؤامرة دولية تتداخل فيها مصالح اغلب دول الاقليم والمنطقة، فضلا عن انه استهداف للامن والاستقرار والتعايش في المنطقة، فهو اعادة لرسم المصالح وتقسيمها بين الدول الكبرى، وهو ايضاً تغيير ديمغرافي للتركيبة السكانية ولجغرافية المنطقة، وهو من جانب اخر، وهو الاهم اعادة الحياة والروح الى بعض التنظيمات الارهابية التي تمكنت قوات سوريا الديمقراطة من القضاء على نشاطاتها وتحركاتها في المنطقة، وفي مقدمتها تنظيم «داعش».
الطابع الاحتلالي للعمليات العسكرية التركية واستخدامها القوة المفرطة ضد جيرانها العزل، رغم حرص قوات سوريا الديمقراطية على الحفاظ على امن واستقرار الحدود مع تركيا وعدم اطلاق رصاصة واحدة ضد اي جندي تركي من داخل الاراضي السورية، عكس مدى حقد الادارة التركية بزعامة اردوغان، الذي يحاول ان يضع خصومه الساسيين الذين ضيقوا الخناق عليه وعلى حزبه في الداخل، بوضع حرج، عبر افتعال مخاطر وهمية واعداء وحروب وتهديدات خارجية، ليسخر بالنتيجة موارد وثروات واقتصاد البلاد لخدمة سياساته التوسعية.
كان الاجدر بالرئيس الامريكي الذي يدعي الدفاع عن الديمقراطية والمفاهيم الانسانية، ويلوم الكرد لعدم نصرة بلاده في الحرب العالمية الثانية ومعركة النورماندي، ان يراجع حساباته، قبل ان يتخلى عن دور الولايات المتحدة ومكانتها وستراتيجيتها في المنطقة، وان يترك الكرد وقوات سوريا الديمقراطية، التي قاتلت جنب الى جنب لنحو اربع سنوات مع القوات الاميركية وقوات التحالف الدولي في سوريا، وكان لها شرف القضاء على الارهاب واخر جيوبه في سوريا والمنطقة، فريسة سهلة للالة العسكرية التركية ومرتزقتها من الجماعات والتنظيمات الارهابية.
وكان عليه، ان يحترم التضحيات الكبيرة التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية الشريك السابق لها في محاربة الارهاب، قبل ان يسمح لدولة عنصرية مثل تركيا، ان تضع شريكه في خانة المنظمات الارهابية، وشن حرب غير متكافئة عليه بحجة اقامة منطقة امنة، جاءت على حساب مئات الاف المواطنين، الذين اضطروا الى ترك منازلم ومناطق سكناهم ومسقط راسهم خوفا من تنال منهم الة البطش العسكرية التركية.
الانتصار الذي تعتقد تركيا بانها حققته على المدى المنظور وبعض التقدم على الارض في سوريا، سيتحول في المستقبل القريب الى اكبر هزيمة تمنهى بها انقرة، بعد ان بدا الاقتصاد التركي يتهاوي، في ظل المقاطعة والعزلة الدولية المتزايدة، ومنعها من الدخول الى الاتحاد الاوربي، ومطالبة بعض الدول بابعادها عن حلف الناتو.
وبينما كنا نحن شعب كردستان نأمل بان نتمكن من بناء علاقات متينة مع الجارة تركيا ونطوي من خلالها صفحة الحروب والمأسي، يبدوا باننا ينبغي ان ننتظر لسنوات اخرى لكي يتخلص اردوغان والزعماء الاتراك من الكردوفوبيا، ويعي الاتراك التاريخ ويأخذون الدروس والعبر منه ويعترفون بحقوق الشعب الكردي.
لقد جربت تركيا التعاطي مع الكرد من منطق وذهنية التصفية لاكثر من 80 عاماً، واستخدمت كل الطرق والوسائل المتاحة للقضاء وتصفية حزب العمال الكردستاني، دون جدوى، اذا لماذا الاستمرار في هذا النهج وهذه السياسة الفاشلة التي اتت على الاقتصاد التركي، قبل ان تتمكن من تصفية حزب العمال الكردستاني.
حكومة اقليم كردسستان والاحزاب السياسية المتنفذة تتحمل هي ايضاً جزءا غير يسير من المسؤولية تجاه ما يحدث في المنطقة من استمرار للاعتداءات والتجاوزات العسكرية التركية، نتيجة لتوقيعها عقودا في مجالات النفط والغاز، تغلب عليها المصالح الشخصية والحزبية والفئوية، مكنت اردوغان من الحصول على مليارات الدولارات، التي يذهب جزء منها لتمويل حروبه ونزواته العبثة في المنطقة.
المجتمع الدولي وخصوصا دول الاتحاد الاوربي التي كان له موقف مؤثر ومشرف في هذه الازمة والحرب، لذا فان عليه ان يسارع الى اتخاذ اجراءات اكثر ردعا للحكومة التركية، وممارسة ضغوطات لاصدار قرارات عبر مجلس الامن، تمنع بموجبه استمرار هذه الحرب، غير المتكافئة واستمرار الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في سوريا.