هو عنوان لقاء أجرته قناة (الحرة-عراق) مساء الأحد 6/10/2019 مع الموسيقار نصير شمة، ليتحدث للعراقيين والعالم عما يجول في عقله وضميره حول الاحتجاجات الاخيرة في العراق، خطاب يبدو للوهلة الاولى مترع بالاحاسيس الوطنية والانسانية والحرص العميق على حاضر ومستقبل هذا البلد المنكوب. في هذا اللقاء اقتفى موسيقارنا المعروف أثر قافلة المحللين السياسيين والاستراتيجين وتقمصته روح طيب الذكر فولتير، ليلقي علينا خطبة عصماء عن الكرامة والحقوق وفلسفة الديمقراطية والتعددية والحريات وغير ذلك من مفردات قاموس، لم يتقرب من ضفافه عندما كانت “جمهورية الخوف” تسحق كل ما يمت بصلة لهذه الحقوق، التي اكتشفها الموسيقار نصير بعد استئصال المشرط الخارجي لذلك الوباء البعثي الذي عاث بالارض فساداً واجراماً قل نظيره في تاريخ البلدان والامم. ليس هناك أدنى شك في حاجتنا لجهود ومواهب جميع احرار العالم لا العراقيين وحسب، في معركتنا من اجل تقويم التجربة الديمقراطية الفتية لا (اسقاط النظام) كما يدعو من كان حتى الامس القريب مقرباً من حيتان هذه الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة، والذي تحتاج قوى شعبنا الحية وعلى رأسها شريحة الشباب، الى الكثير من الجهد والمحاولات والوعي؛ كي تقلص من نفوذها وتزيحها عن مفاصل القرار في الدولة والمجتمع، لا كما يوهمها نصير وباقي الجوقة التي سارعت لركوب الموجة الجديدة من الاحتجاجات والتضحيات، بانهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الانتصار الحاسم.
صحيح ان ذاكرة قطاعات واسعة من المتلقين لمثل تلك الخطابات هي أقرب لذاكرة السمك، وقسم كبير ايضا لم يعد لديه الوقت أو القدرة على تحليل ما يتلقى من ضخ هائل لاشباه المعلومات والاحداث والحماسة المعطوبة، بفعل ما مر علينا من كوارث واهوال تعجز عن حملها الجبال؛ لكن غير القليل منا ما زال يقبض على شيء من العقل والوجدان والقدرة على اكتشاف ماهو أصيل وتمييزه عن كل ماهو مشوه وممسوخ. ان تكون موسيقارا كبيرا ومشهورا لا يفرض علينا قبولك كوطني عراقي غيور على حرية وكرامة ابناء وطنه، وهناك أمثلة كبيرة لفنانين وكتاب ومفكرين كبار لم تشفع لهم مواهبهم الفذة تلك في الوقوف لجانب قضايا مجتمعاتهم العادلة. ونصير شمة لم يعرف عنه قبل 2003 أي موقف لجانب لا شعبه الكبير (العراقي) بل حتى لابناء جلدته من الكورد الفيليين في محنتهم و “أوجاعهم” التي عرفها العالم أجمع. لا أخفيك سراً ايها الموسيقار الكبير؛ فان خطابك البائس هذا جعلني اشعر باشمئزاز لم اعرفه من قبل، وبصدق “الوجع العراقي” الذي يقف مبهوتاً أمام ما تركته التجارب التوتاليتارية من حطام قيمي ونفسي.
ليس انت من يلقي علينا مواعظ حول الوطنية ومقاومة الاحتلال، ولا كل ما يتعلق بالكفاح من أجل الكرامة والحريات، فسيرتك زمن النظام المباد عندما كنت متواطئا أو صامتاً على كل ما شهدته حقبة المقابر الجماعية من جرائم وانتهاكات، وبعده عندما انخرطت في حملات “النظام العروبي” ضد العراق الذي يحاول النهوض من وسط انقاض “جمهورية الخوف”، وما اعقب ذلك من جرائم وفظائع ارتكبتها القطعات المفخخة، والتي استباحت العراق خلف واجهة “مقاومتكم الشريفة” وغير ذلك الكثير من الدقلات الانتهازية التي تجعلك في افضل الاحوال مثيرا للشفقة، لا كما توهمت في مزاوداتك الأخيرة من على منبر فضائية (الحرة-عراق).
جمال جصاني