في الوقت الذي يمر العراق بوصفه الخاصرة الهشة لهذا المنطقة المنحوسة بالحروب والنزاعات العضال، بأخطر واعقد الاسابيع وربما الأيام والساعات، بعد غزوة آرامكو وما سوف ينجلي عنها من تداعيات وخيمة على حاضر ومستقبل المنطقة بشكل عام وبلدنا بشكل خاص؛ ينطلق رئيس مجلس الوزراء وبرفقة طابور من الوزراء والمحافظين والمستشارين والاعلاميين وممثلي باقي المهن الى الصين كي يؤسس لنهضة اقتصادية وعلمية تنتشل العراق من جميع مشاكله القديمة منها والحديثة، كما كشف عن ذلك رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية والذي قال “ان ارادة سياسية لجميع الكتل ترغب في انهاء أزمة السكن والاعمار والطاقة، والتوجه نحو اعمار العراق؛ هي من دعمت عبدالمهدي بالتوجه الى الصين”. هكذا وبجراة يحسدون عليها، يقفزون على كل هذه المساحات الواسعة من الهزائم والخيبات، ليقذفونا بكبسولة جديدة من الدواء؛ الصين هي الحل..! هكذا ومن دون أدنى وجع من عقل أو ضمير، تتراص غالبية الكتل المتنفذة في السلطتين التشريعية والتنفيذية خلف هرولة السيد عبد المهدي الاخيرة، بوصفها خشبة الخلاص لهذه الطبقة السياسية التي أوصلت جميع ما هدهدناه من تطلعات مشروعة، الى طريق معتم ومسدود. الصينيون وبما يتمتعون به من صبر ودهاء في انتظار انجلاء عجاج المعارك، يعرفون جيدا وبالتفصيل الممل ما نمر به محنة وضياع دفعتنا للهروب اليهم، وعرض حكومتنا العتيدة عن استعدادها، لتحويل العراق الى محطة عابرة ضمن مخططات الصين لاسترداد طريق الحرير وما يتبع ذلك من عقود واتفاقات اقتصادية وسياسية معروفة.
ستكشف الأيام والأشهر القريبة المقبلة حقيقة هذه المزاعم و”الطفرة النوعية” المنتظرة من هذه السفرة الظافرة. من دون ادنى شك سيعد البعض موقفنا هذا من هذه الهجرة المفاجئة الى الصين، متسرعاً ومتشائماً لا سيما وان حبر الاتفاقات والعقود التي تم الاشارة اليها لم يجف بعد. هذا صحيح تماماً فيما لو كان أمر هذه السفرة وتلك الخطط والمشاريع لم تكن وراءه هذه الكتل التي جربناها طوال أكثر من 16 عاماً وعبر اربعة دورات انتخابية، تتوجت آخرها بأحد أكثر البرلمانات خطراً على حاضر ومستقبل هذا الوطن المنكوب بزعامات أدمنت سبل وتقنيات الهروب الى الامام. مثل هذه الهرولة الواسعة والمفاجئة وما رافقها من مقذوفات اعلامية واستعراضية، لا يمكنها ان تخفي حقيقة الدوافع التي تقف خلفها، ولا مغزى مثل هذه الاندفاعات العابرة لأهم بديهيات النشاط السياسي والاقتصادي في البلد، وطبيعة الاوضاع التي يمر بها، بعد سلسلة الاخفاقات التي عشناها مع الحكومات المتتالية لعراق ما بعد “التغيير”.
محنتنا مع هذه الطبقة السياسية التي تلقفت مقاليد امور هذا البلد المستباح، تكمن في عجزنا كمجتمع من شتى الرطانات والهلوسات، في التصدي لها ومحاسبتها وتقديم البديل عنها، وهذا ما تدركه جيدا الكتل المتنفذة والمستلقية على تضاريسنا الممتدة من الفاو لزاخو، بكل ما تملكه من شبكات اخطبوطية تعتاش على ما وهبتنا اياه الصدفة الجيولوجية (النفط والغاز وما بينهما)، وهذا ما التفت اليه جهابذتها في هجرتهم المفاجئة الى الصين، بوصفها نوعا من الحل بعد أن أخفقوا في جميع ما تنطعوا اليه من مسؤوليات في الميادين المادية والقيمية كافة. لا نحتاج الى كثير من الجهد والاستعانة بالخبراء الدوليين؛ كي نعرف ان الجبهة الداخلية المفككة والزعامات الفاشلة والفاسدة والشرهة وضيقة الافق، لا ينتظر منها غير هذه القفزة الكنغرية لما وراء سور الصين..
جمال جصاني