متابعة الصباح الجديد:
بعد ظهور العديد من تصنيفات الفنون التي وضعها الفلاسفة من أمثال «موريس نيدنونسيل» أو «آلان «أو «شيلينغ» قدّم لنا «إيتيان سوريو رؤيته لتصنيف الفنون مقسّماً أيّاها إلى سبعة تحمل كل منها درجة m: تصويريّة/ تجريديّة، والفنون السبعة بدرجتين لكلّ منها هي :نحت/عمارة- رسم/زخرفة – تلوين تمثيلي/تلوين صرف موسيقى تعبيريّة، أو وصفيّة/موسيقى -إيماء/رقص -أدب وشعر/بيان وعروض صرف – سينما/إضاءة
ويظهر و يوضح تحليل «إيتيان سوريو» لهذه الفنون السبعة وتصوّره للجدول العام لمنظومة الفنون الجميلة (الشكل المقابل) بالطريقة التالية :
1. كل خاصة حسيّة، أو بالأحرى والأدق كل مجموعة متدرّجة من الخواص الحسيّة التي يمكن استعمالها وتشكيلها فنيّاً (الخط واللون والنتوء والإضاءة والحركة والنطق والنغمة الخالصة)، تنشئ فنين اثنين، أحدهما من الدرجة الأولى (فنون غير تصويريّة) والآخر من الدرجة الثانية (فنون تصويريّة).
ومن هذا المنطلق يمكننا التمييز و التفريق بين الفنون السبعة والعديد والكثير من مظاهر تعاونها (فنون مركّبة(ببن نوعين أو ثلاثة منها))، ولندرك العديد من الأعمال الفنيّة المركّبة كالأغنية (أدب أو شعر + موسيقى) أو المسرح ((أدب أو شعر + تمثيل صامت/رقص مع تلوين، في حال وجود ألوان للأزياء والديكور + نحت/عمارة، في حال وجود ديكور + موسيقى، في حال وجود موسيقى تصويريّة)).
يمكن فصل وتقسيم تاريخ الفن إلى مرحلتين أو حقبتين اعتماداً واستنادا على اختراع وظهور السينما كحدث زاد وأضاف فناً سابعاً للفنون، وحوّل مكان تعاونها وجمعها من المسرح إلى السينما. وهذا ما يؤكده د. ثروت عكاشة: «على أن الفنون كلها تنزع إلى التوحد معاً، وكثيراً وغالبا ما تتلاقى ليكمل أحدها الآخر. ومنذ العصر الإغريقي ومحاولات الفنانين لا تنقطع من أجل خلق عمل فني شامل يجمع الفنون كلها.
وقد تجسد هذا العمل أولاً في الدراما الإغريقية التي جمعت بين الشعر والغناء والموسيقى والرقص الايمائي أمام خلفية من المناظر التي رسمها الفنانون التشكيليون.
وقد تلاقت الفنون جميعها في كل من انموذجي الأوبرا والباليه، غير أنها لم تصل إلى مرتبة التوازن والتكامل الرائعة.»
واليوم تتصدر السينما لتجمع بين الفنون جميعاً محققة العمل الفني المتسق الشامل. ولم تكن السينما في بدايتها غير فنٍ مرئي صامت، يعرض صوراً متحركة لا تنبض بصوت، كأفلام «بولا نيجري» ، و»رودولف فالنتينو»، و»تشارلي تشابلن» في أيامه الأولى. حتى إذا اكتشفت مادة «السالينيوم» التي تحيل الموجات الصوتية إلى موجات ضوئية، ثم تحيل هذه إلى صوتية.
بدأت السينما خطوتها الجبارة في تجميع الفنون المرئية والمسموعة، وأخذت تقدم المسرح والموسيقى والفنون التشكيليّة كلها في عمل واحد رائع التناسق، وأصبحت السينما وسيلة إلى بلوغ الكمال لجميع الفنون، كما حطمت حواجز الزمان والمكان حاملة أروع الأعمال الفنية بين ربوع العالم بما لا يستطيعه فن الباليه ولا الأوبرا»
لقد ظهر عبر التاريخ العديد و الكثير من المحاولات لجمع و توحيد عدد من الفنون في عمل فنيّ واحد – بنحو عفويّ أو مقصود – وذلك لقوّة تأثيرها مجتمعة على حواس المتلقّي الذي يتواصل مع العمل الفنيّ بشتى حواسه.
ولكن القليل من هذه المحاولات توصّلت لجمع أغلب الفنون معاً، نذكر منها :
الطقوس الدينية في معابد الحضارات القديمة: حيث أن هذه الطقوس كانت تُقام في المعبد المُزيّن برسوم وزخارف ملوّنة، إضافة إلى أزياء المشاركين بالعرض والمزيّنة برسوم وألوان متنوّعة مع وجود بعض تماثيل الآلهة ضمن هذه الطقوس أحياناً، ويقوم المُؤدون في هذا العرض بتلاوة قصائد أو حوار مع حركات إيمائيّة معيّنة أو راقصة، وقد ترافقها موسيقى أو إيقاعات الدفوف.
المسرح الاغريقي: حيث يظهر النحت في عمارة المسرح والديكور كذلك في أقنعة وأزياء الممثلين، كما يظهر الرسم والتلوين في لوحات المناظر المرسومة صمن الديكور، ويظهر الشعر في الحوار والقصائد المُلقاة، وتظهر الموسيقى في ألحان الأغاني وعزف بعض الآلات ويظهر الرقص في تمثيل الممثلين (الإيماء ورقص الجوقة).
الطقوس الكنسية: حيث تُقام الطقوس الكنسيّة ضمن الجو التشكيلي الموجود في الكنائس سواء البيزنطيّة (الشرقيّة) أو الغربيّة منها، ويجدر بنا ذكر أنّ هذه الطقوس قد تطوّرت إلى دراما طقسيّة ودراما نصف طقسيّة ثم إلى مدائحيّات فأوراتوريو لتصل أخيراً إلى الأوبرا.
الأوبرا: حيث يظهر فيها تعاون الفنون جليّاً من حيث العمارة والديكور والأزياء والأقنعة والخلفيّات المرسومة والنصوص المُغنّاة بحركات إيمائيّة، أو راقصة على ألحان الموسيقى.
مجالس المولوية في المساجد والزوايا الصوفيّة: ويظهر تعاون الفنون بالربط بين المكان والحدث حيث نجد النحت في العمارة والمقرنصات كذلك نجد الزخارف الملوّنة في المساجد والزوايا الصوفيّة اذ يقام مجلس المولويّة الذي يشتمل على الشعر والموسيقى والرقص وذلك بترابط وثيق بين الرموز والأشكال والحركات والصوت.