تنوعات التأويل وجماليات المكشوف
القسم السادس
ناجح المعموري
أخذت لسان سيد القصر تتلعثم في قراءة القرآن، وتعالج عسر النسيان الذي ران على ذاكرته إزاء محاولته تذكر سورة الهمزة، فانقلب كسورة الشرح، وأخذ يلوك بدايتها [ ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك ….] من غير أن يتجاوز كلمة [ وزرك] وعندما عجز عن استكمالها صباح :
– أنبئوني يا كلاب !
فلم يجد أحد من المأمونين يكمل له الآية التي تعسر بها، فانثنى ساجداً من غير ركوع، وعلى تلك السجدة خر سيد القصر- نمائماً- في مكانه، فاقتدوا به المأمونون برفع الشخير من أفواه بعضهم/ ص191
يشعر السيد باللذة عندما يرى اختراقاً ذكورياً. وفي يوم اتصل بطارق وأسامة وطلب منهما:- استعدا ثمة ضحية عليكما أن تقطعا دبره !
ونهض متحركاً صوب المدخل…… التفت صوبنا :
– سأكون مشاهداً لعملكما فلا تذلا نشوتي .
وأطلق ضحكته المعتادة، ومضى منصوب القامة/ص211
السيد شخصية غريبة بشذوذها، يلتذ لحظة رؤيته الاتصال الجنسي بالآخر/الذكر، انه يستنمي في تلك اللحظة ويحقق نشوة عالية، والدليل على ذلك يجيء باثنين لإنزال العقاب بالرجل مثلياً، لا يكتفي بالاتصال مع المرأة/الفتيات ولا تنطفئ شهوته الدبرية عندما يلاط به، يريد أن يرى صورة اللواط الحية، ولذا يراقب من يقع عليه قطع الدبر. الشهوة ساكنة في جسده، تستجيب للاتصال بالمرأة وتصعد لممارسة المثلية معه. لم يكن السيد وحده هكذا وإنما بدر الذي صارت مساحته الاتصال به مثلياً. انه تخنث .
أراد سيد القصر أن يتخذ دوراً في الصلاة يتناسب مع رفعته ومكانته في القصر وأحتجب على خلف المعيني الذي طلب من البغايا اتخاذ مكانهم في الصف المجاور لجوزيف عصام المشارك بصلاة إسلامية وكان يردد نصاً من الإصحاح الثاني، المجهول انتسابه الى واحد من الأسفار. هل كان الإصحاح الثاني ضمن سفر في العهد القديم أو العهد الجديد، ويبدو بأن ذلك هو جزء من مهزلة الطقس الأقرب للوثنية. هل هذا هو الحلم المطلوب؟
« – من يعيدنا للفطرة الأولى ؟
نحن نتلوث كلما أوغلنا في الحياة، في كل خطوة نقطعها تتمرغ أرواحنا بدناسة الأرض، هذه الأرض المعجونة بوحل الرغبات لا تسلمنا لنهاية الطريق إلا كومة زبالة نتنة/ ص119
والقصدية واضحة في توظيف النص القرآني من قبل الروائي والإشارة ضمناً إلى سيد القصر، بمعنى توظيف النص بما هو مطلوب من المقدس ووسط حالة من الفوضى والعريدة والسكر. وأشترط السيد قيامه بدور الأمام بديلاً للمعيني الذي سقط ولم يستطع الوقوف، واكتفى بشرب الخمر وهو على نومته وفشل السيد بدوره ولم تسعفه ذاكرته لاستكمال سورة الشرح أو بعضاً منها. تحول مكان السكر واللذائذ إلى مكان للصلاة وكل شيء يدنس آنذاك وأراد الصلاة ممارسة متأتية من الاعتياد الذي تحول إلى توقيت لا يمكن خرقه، بل التمرد على تفاصيله الأداء. مثل مشاركة المسيحي/ جوزيف عصام بصلاة إسلامية وترديده الإصحاح الثاني من العهد القديم/ أو الجديد مع وقوفه في الخط الأخير حيث وقفت البغايا ويبدو بأن هذه الممارسة طقس متكرر في أوقات الأداء وان لم ترد إشارة لذلك في الرواية. ولم يستطع أحد من المثليين والبغايا والقتلة وأدوات التأديب والتعذيب البشرية إكمال الصلاة التي كشفت لنا عن توقيت جلسات العريدة والقصف المبكر جداً، والدليل على ذلك إنهم سكارى جداً في لحظة إعلان الآذان وإقامة الصلاة إنها ممارسة غير إرادية تكونت عبر تأريخ الاعتياد الطويل والمشاهدة، وكل من كان منكباً على وجهه استجاب للآذان/ ص190 مشهد كوميدي أكثر من كونه طقساً دينياً، خضع له الجميع ولم يكن جلال ألمعيني مؤهلاً آنذاك مثل السابق للقيام بدور المؤذن، فلم يسيطر على حركة دورانه نحو كل الجهات فاستقر واقفاً باتجاه الشمال .
يتجاوز التنامي النص التوراتي ويبدو أكثر عمقاً مع أسطورة أورفيوس وأحد أبطال الأساطير اليونانية، هو الذي سحر الحيوانات بقدرته الموسيقية واستطاع سحر حراس العالم الأسفل وحصل على موافقة منهم على عودة حبيبته اوريديس، ولكن بشرط أن لا ينظر إليها قبل أن يعبر عتبة الجحيم، نسي اورفيوس الشرط المفروض عليه وخسر حبيبته إلى الأبد.
[ أمضيت جلسات طويلة -عبر فترات زمنية مختلفة- وأنا أصغي إليه فيما كان يسترسل كموج بحر لا تحاصره الأسوار الإسمنتية] ص387
ويبدو بان عبده خال اقتنع بالحكاية الطويلة التي باح بها طارق فاضل ولو لم يكن كذلك لما ألتقاه بجلسات طويلة وسرد عليه كيفية سقوطه واقفاً .
كشف لنا المقطع الذي ما بعد المتن بان الذي قاله طارق إلى عبده خال هو ما سبق الكتابة. انه ألحكي الذي استمع له الروائي عبده خال، وتحول إلى ملحق سردي أو ما بعد المتن. وقال :- أنا لوطي.
– هل سمعت، أنا لوطي بل أكثر رداءة مما نتصور]
وقدم طارق سرداً مع تفاصيل كثيرةً أمام عبده خال وكأنه يعترف مثلما حاصل في الديانة المسيحية التي تأثر بها من خلال علاقته مع جوزيف عصام هو الآخر الذي ارتكب دنساً ولوث المحرم في علاقة مع ابنة أخته [ أبحر متصوفاً، خالطاً ما بين عشقين، جامعاً المحرم والمحلل، فأيقظته جمرة الدين، وحرض نفسه على الهرب منها ومن المشقة] ص238
وغادر جوزيف عصام القصر بنهاية حسنة، وحضر قداساً للبابا يوحنا الثاني في بيروت. وأعتقد جوزيف بأن حضوره لهذا القداس هو الاعتراف والتطهر الذي أراده وتخلص من الدنس المحمول وسط أعماقه وتبرع بكل ما يملك من مبالغ طائلة إلى ابنة أخته وأطفال الحجارة مناصفة .
تجد المؤسسة الرسمية والسلطة لمفهومها العام وليس السياسي بالمقدس عوناً ونصيراً لها في خلافاتها ولحظاتها القاسية ولأن إبراهيم فاضل عاش مأساة مرام وعرف تفاصيلها حيث « يقام الحد على الضعفاء وتغض الطرف عن الوجهاء/ ص390 وعرف إبراهيم بأن ما يحصل دمار للحياة والمجتمع وهو شكل من أشكال الإرهاب الأخطر والأكثر تدميراً من الإرهاب الدموي،» الإرهاب هو إفساد المجتمع وتجفيف مبادئه وقيمه، هذا هو الإرهاب بعينه، وهذا هو البلاء حين يتم التغافل عن المنكرات/ ص390 وتضمنت خطبة إبراهيم في مسجد الإخلاص دعوة لرفع الضيم عن المظلومين/ص390 قال الشيخ إبراهيم كلاماً مباشراً وقصد بالخطبة السيد وبدا والعصابات العاملة في القصر التي لاحقت مرام وطاردتها حتى أوقعتها بغياً، والغريب في خطبة إبراهيم مطالبته بالإصلاح واحترام حقوق الإنسان وقال كلاماً قاسياً ومشككاً بالنظام والأمة التي تقيم الحد على الضعفاء وتغض الطرف عن الوجهاء، ولأن الخطبة واضحة الصراحة، ولفتت انتباه الناس، تم تنحيته عن مهمته في مسجد الإخلاص.
تبدّيات السلطة مستمرة وواضحة، حتى في المجال المقدس لذا عوقب إبراهيم المفترض به أن يظل خارج الاهتمام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وما قاله إبراهيم فهم للغاية، وحصل أول خطاب ديني يغادر محيطه ويتداول ما قاله علاقة بحياة الناس. وتبدو السلطة السرية أكثر بروزاً في إقصاء إبراهيم عن مسؤوليته في مسجد الإخلاص وتراجع المقدس عن دوره التوجيهي والإرشادي والأغلاني عما هو حاصل في حياة المجتمع. ولن يكون دور القصر بعيداً عن الذي حصل لإبراهيم الذي أستهدف سياسيات القصر غير المعلن عنها بوضوح، لكن إبراهيم هو واحد من ضحاياه، لأن القصر زحف عليه من خلال طارق ومرام ووليد وصار هو الشخص الرابع في عائلة صغيرة، أنه ضحية جديدة وحتماً سيكون للقصر عقوبات أخرى ستطول إبراهيم، لأنه –القصر- لا يرضى بعقوبات تمكن الإنسان من البقاء حياً ومتكاملاً. وحاول الروائي عبده خال معالجة الموقف من طارق ومرام بنحو مستور، ولم تكن نهاية طارق معلنة في الخبر الصحفي الذي نشرته صحيفة الوفاق بعددها 1412 أما شخصية مرام الباقية بالقصر، فقد كانت نهايتها مجازية وغير مصرح عنها .
استعاد الروائي أسطورة لوط وزوجته والتي أشار لها سفر التكوين التوراتي24-19:26 [فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء. وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح] استعاد عبده خال الأسطورة التوراتية التي هي في أصلها عبارة عن أسطورة نزول عشتار للعالم الأسفل وأختار لمرام نهاية مجازية وكأنه غير قادر على الإعلان المماثل للشخوص الأخرى [ وحينما كبّر إبراهيم للسجود سجد المصلون، خرت كل الرقاب، ورقبتي المتطاولة في فضاء المسجد، تلوث بحثاً عن بحر أندس به، كانت عينا أغيد تراقبني، فألمح مرام كعمود ملح يذوب، استرخت الطمأنينة في سجود المصلين، وكان عليّ أن أستقر في سقوطهما بعيداً عن أعينهم، قفزت من على رقابهم بحثاً عن هرب أبدي] ص379