ستار كريم مظلوم
بعد مرور أكثر من ثمانين عاماً على رحيل أمير الشعراء احمد شوقي (( 14/10/1932)) لم نشأ ان تمر هذه الذكرى دون أن نتحدث عن شوقي، عن شعره، وأدبه، ودون ان نستحضر جوانب عبقريته الفنية. التي ظلت فترة من تاريخ الشعر العربي تناهز أكثر من ثمانين عاماً ملأ خلالها الدنيا وشغل الناس. قد يكون أصدق ما قيل في شوقي وأقربه الى الأنصاف أن في شعره عوّض عن ألف سنة من كبوة الشعر العربي خلال عصر الانحطاط. ومما لاريب فيه أن شوقي قد استطاع أن يغطي هذه الفترة على خير وجه، وأن يصل ما انقطع من ماضي الشعر العربي خلال عصور مجده وازدهاره. وبهذا تجاوز فضل شوقي على الشعر العربي مرتبة التبعية الى مرتبة الثورة، والبحث وارتفعت مكانته من مستوى التقليد الى مستوى الخلق والأبداع. ومن هنا كان لعبقريته الفنية المكتملة الجوانب المتعددة الأغراض والميادين ان تؤدي رسالة الشعر العربي الفكرية والشعورية أحسن الأداء. وسر عبقرية شوقي انه وفق الى التمكن من الفن الشعري القديم، والى أن يمتلك ناصية الجزالة والبلاغة فيه حتى بلغ درجة الفحولة، وحتى أصبح صنواً للمتنبي والبحتري ولأبي تمام فلما تم له ذلك في الأسلوب، والأداء عرج على الشعر الأندلسي الغنائي والوجداني، فأستلهم منه نفحة حضارية وإنسانية اكسبت شعره مسحة من اللطف رقة الحاشية. وهكذا حقق شوقي المعجزة التي قصرت عنها همة القدامى والمحدثين من الشعراء العرب، وهم بين ناحت صخر وناثر شعر في أضعف اسلوب وأسقم بيان. ولم يكتف شوقي بهذه كله، بل نقل مصادر شعره العاطفية والحسية الى العصر الذي يعيش فيه، فجعله مرآة للقرنين التاسع عشر والعشرين بما حفلا به من احداث التطور العلمي والفني والفكري العارم. وعلى هذا أكد شوقي قابلية الشعر العربي في التعبير عن مظاهر التحولات الإنسانية، والأرهاصات المدنية في حياة الناس، وفي طموحهم وتوقهم الأصيل الى الأفضل والأكمل وبهذا دفع شوق الشعر العربي الى مجالاته العالمية وخرج به عن عزلته التي فرضتها أوضاع سياسية واجتماعية خاصة، فكان أن انتصرت أغراض وجدانية وحسية ونفسانية، لا تمت الى الواقع بصلة. ومن أجل تجاوز هذا الوضع المرضي الذي كان من شأنه أن حد آفاق الشعر العربي، وضيق حدوده وانضب ينابيع وحيه، وعطائه على السواء، عمد شوقي الى طرق المواضيع المستحدثة في الشعر العربي كالقصة والتمثيلية الشعرية، والشعر التعليمي وما الى ذلك. ومن أجل انقاذ الشعر العربي من براثن الجمود والتقليد والترفع البغيض من وقائع الحياة العادية في تصرفات الناس واحاسيسهم، لجأ شوقي الى تناول أبسط المواضيع، وأتفه الحوادث، فصاغها بأسلوب فني بارع جميل، لا يدانيه في اعجازه اسلوب ومرد ذلك في أغلب الظن الى ثقافة شوقي الشرقية والغربية الواسعة. والى سعة إدراكه للرسالة التي يجب أن ينهض بها الشعر في حياة البشر الخاصة والعامة، حتى يكتب له البقاء كأداة صالحة مجدية للتعبير الإنساني، وكوسيلة شعورية وعقلية يتوسل بها الناس في صراع الوجود المشبوب ومرد ذلك ايضاً الى ثقة شوقي بنفسه وبفنه والى حس انساني وروح ديمقراطية وتعبيراً بالأصالة التي جعلت شوقي يتمرد على أصوله الارستقراطية ومصادره التربوية والاجتماعية المترفعة عن كل ما يتصل بحياة الناس.. حياة الشعب وإننا حين نذكر شوقي اليوم، لا نغفل عن حقيقة تزداد مع الأيام رسوخاً ووضوحاً، وهي انه ترك فراغاً لم يملأه أحد من الشعراء حتى يومنا هذا، وإن الشعر العربي عاد الى الكبوة، وأخذ يمر في مرحلة من التخلف كالتي ملأها شوقي، ووصل ما انقطع من الأسباب بين ماضي الشعر وحاضره… وأنّى لنا بمن يغني غناء شوقي فيدفع الشعر العربي دفعة جديدة تعود به الى سابق مجده وزهوه والى سابق مشاركته الإنسانية والحضارية اللائقة.
رأي في شاعرية أحمد شوقي

التعليقات مغلقة