كان سنُ قانون جديد، للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، مطلبا شعبيا وجماهيريا، نادت به التظاهرات منذ اليوم الأول لانطلاقها بداية شهر تشرين الأول المنصرم. فوجود قانون انتخابات منصف، الى جانب قانون جديد لمفوضية الانتخابات، يحررها من سطوة الأحزاب ونفوذ الكتل السياسية، ويدعم تشكلها من قبل أعضاء مهنيين مستقلين، لا تربطهم علاقة مع الأحزاب الحالية، مع وجود قانون انتخابات، ينحاز الى الافراد والمرشحين الذين يحصلون على أعلى الأصوات، بعيدا عن القوائم والتكتلات الانتخابية التي ساهم القانون السابق في جعلها تحصل على أصوات الناخبين بعيدا عن إرادتهم، فالناخب حين يصوت على مرشح، فإن ذلك الصوت لن يذهب الى مرشحه بالضرورة، بل يذهب الى القائمة والسياقات والظروف هي التي تتحكم به. وهذا ما أدى إلى صعود شخصيات لم يرشحها أحد، وصعود شخصيات حصلت على أصوات قليلة بسبب وجودها في قوائم معينة، في حين هنالك مرشحين، حصلوا على أصوات تؤهلهم دستوريا لعضوية البرلمان لكن قانونيا وبسبب نظام سانت ليغو والعتبة الانتخابية والنسبة، لم يتمكنوا من الفوز والصعود الى مجلس النواب. فكان مطلب إلغاء هذا النظام، وجعل الفائز في الانتخابات هو الحاصل على أعلى الأصوات بغض النظر عن قائمته، هو أحد أسس الإصلاح المنشود والذي تطالب به التظاهرات الحالية ويدعو له المتظاهرون يوميا. واستجابة تلك المطالب، ونزولا عند رغبة الجماهير، قرر مجلس النواب إلغاء قانون مفوضية الانتخابات رقم 11 لسنة 2007 وتشريع قانون جديد.
إن القانون الجديد الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي. المادة الأولى من القانون، عرفت الهيأة بأنها هيأة مهنية مستقلة ومحايدة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري.. وهذا النص، برغم أنه يؤكد على استقلالية المفوضية، وأنها مكونة من أعضاء مهنيين، مستقلين، لكن النص القديم الملغى، مطابق للنص الحالي، ورغم ذلك شكلت المفوضية من أعضاء مرتبطين بأحزاب وكتل سياسية، وخضعت الهيأة بالنهاية للمحاصصة الحزبية. المادة 3 من القانون الجديد، حددت أعضاء مجلس المفوضين بواقع تسعة أعضاء. يجري ترشيح خمسة أعضاء من قبل مجلس القضاء الأعلى وعن طريق القرعة! مع مراعاة المناطق الاستئنافية، فيما يرشح مجلس القضاء في إقليم كردستان عضوين مع مراعاة توزيعهم في المناطق الاستئنافية في الإقليم، أي يجب أن يكون عضوا من استئناف أربيل والآخر من استئناف السليمانية. العضوان الآخران، يرشحان من مجلس الدولة ويختارهم مجلس القضاء الأعلى. في حين إن النص القديم، لم يشترط أن يكون مجلس المفوضين مؤلفا من قضاة، بل اكتفى بأن يكون اثنان فقط من القانونيين، أي يكونوا حاصلين على شهادة في القانون فقط! ولا يهم الانتماء الحزبي لهم، فيما الباقون لم يشترط فيهم سوى الشروط العادية لتولي وظيفة من الدرجة السابعة! وهذا يشير ظاهرا إلى أن مجلس النواب، قرر أن يكون مجلس المفوضين من المستقلين والمهنيين الذين لا تربطهم روابط حزبية أو ولاءات خاصة بعيدا عن الولاء للوطن. إن مجرد الاستعانة بمجلس القضاء الأعلى لترشيح أعضاء مفوضين، لا يعني بالضرورة أن الاستقلالية متوفرة، كون أن ذلك الترشيح، ليس مطلقا، أي أنه لم يمنح الحق المطلق لمجلس القضاء الأعلى بترشيح من يراه مناسبا لتولي هذه المهمة، بل ألزمه بمراعاة التوازن في المناطق الاستئنافية أو أن يشمل الترشيح كافة المناطق الاستئنافية، وهو أمر يحيلنا الى مديات تمثل قمة المحاصصة والتقاسم الوظيفي والسياسي، وهو ما خرج المتظاهرون لإنهائه. كان على المشرع، أن يسعى لمنح مجلس القضاء الأعلى الحرية الكاملة في اختيار المناسبين لتولي هذه المهمة، لا أن يقيد بالاختيار من هذه الجهة أو تلك، فالتوزيع المناطقي، يعني بالضرورة التوزيع الطائفي والمذهبي. إن مجلس النواب وعن طريق اللجنة القانونية، قام بتعديلات جوهرية على القانون المرسل من قبل السلطة التنفيذية، والمجلس هنا مطالب بتبيان أسباب وجدوى تلك التعديلات وهل تصب في خانة الإصلاح فعلا؟.
سلام مكي