التظاهر هو رسالة يقدمها الجهور للطبقة السياسية، مفادها عدم الرضا والقبول بما تقدمه تلك الطبقة من أداء سياسي، وهو الوسيلة الوحيدة التي يركن إليها الشارع، بعد صناديق الاقتراع، حيث إن الديمقراطية تقتضي معاقبة السلطة من خلال عدم انتخاب الأحزاب والكتل التي تشكل الحكومة، فيما لو لم تقدم شيئا للناخبين، ولكون أن الناخبين يريدون التغيير قبل انتهاء الولاية الدستورية لمجلس النواب الذي يقوم بدوره بانتخاب رئيس مجلس الوزراء والتصويت على الوزراء، فإنهم يقومون بالتظاهر، والخروج الى الشارع، تعبيرا عن سخطهم وعدم رضاهم عن الحكومة والبرلمان. تجاوز حدود التظاهر، من خلال حرق مقار الأحزاب وقطع الطرق، ومنع الموظفين من الالتحاق بدوائرهم، وإعلان حالة العصيان المدني وامتناع الكوادر التدريسية عن الدوام في المدارس، وغيرها من المظاهر الاحتجاجية التي شهدها الساحة العراقية مؤخرا، هي مخالفة للقانون، وقد صرح السيد رئيس الوزراء بأن الحكومة عازمة على اتخاذ كافة الاجراءات القانونية بحق الذين يقطون الطرق ويمنعون الموظفين من الذهاب الى دوائرهم، حيث أن تلك الأفعال هي مجرمة قانونا وإن قانون العقوبات العراقي، وضع عقوبات لكل تلك الأفعال. إن هذا صحيح، لكن: أليس سرقة الأموال المخصصة لبناء المدارس، أو هدمها وسرقة الأموال المخصصة لبنائها فعل أكثر فداحة وأشد جرما من المدرس أو المعلم الذي يمتنع عن تدريس الطلبة؟ أليس فعل المسؤول الذي يحيل مشاريع تعبيد الطرق الى شركات غير رصينة وبالتالي إنفاق الأموال الكثيرة على مشاريع فاشلة، أشد جرما من المتظاهر الذي يمنع السيارات من العبور؟ أليس المسؤول الذي يعرقل عمل الدوائر الحكومية من خلال إسناد ادارة تلك الدوائر الى موظف غير كفوء بسبب المحاصصة والحزبية، هو تعطيل لتلك الدائرة، وتعدي على مصالح المواطنين؟ إن هذه الأفعال أكثر تأثيرا على الدولة، وأشد وقعا على مصالح المواطنين، وهي آفة فتكت بجسد الدولة منذ سقوط النظام ولحد الآن، ومازال المواطن العراقي يعاني من تبعات الفساد والمحاصصة والمحسوبية وتقاسم الأحزاب المناصب فيما بينها بعيدا عن معايير النزاهة والكفاءة. إن خروج المواطنين للشوارع، هو محاولة للحد من تلك الممارسات. نعم، يمكن محاسبة المواطن الذي يقطع شارعا أو يمتنع عن الدوام في دائرته، بعد محاسبة الجهات التي خرج بسببها، وهذا من صميم عمل الدولة ولا يحتاج الى تظاهرات وضحايا أبرياء سقطوا برصاص القناصين والملثمين وبقنابل الغاز التي تطلق على المتظاهرين والتي غالبا ما تصيبهم في مناطق مختلفة ومنها في الرأس. وسائل التواصل الاجتماعي نقلت الكثير من مشاهد الدم والاصابات المباشرة، وبرغم هذا ينفي السيد رئيس الوزراء وجود عنف ضد المتظاهرين، ويرى أن ما تستخدمه القوات الأمنية من أساليب دفاعية بحتة وأن تلك الأساليب أقل بكثير مما تستخدم في الدول المجاورة! إن الخسائر الحقيقية للتظاهرات، ليست المليارات التي تتحدث عنها الحكومة، بل الأرواح التي فارقت الأجساد والتي تعود لشبان، خرجوا ليطالبوا بحقوقهم وحياتهم التي سرقت منهم.
سلام مكي