ما الذي ينقذ العراق من الانزلاق في المنحدر الطائفي ؟

واشنطن تبتكر وصفات جديدة للفشل الإقليمي

كتب رئيس التحرير :

فيما نجحت الحكومة العراقية في استيعاب أزمة انهيار دفاعات الموصل وما حولها تتجه الأحداث إلى القاء ثقل كبير على عاتق حكومة المالكي الذي لم يعد بيديه سوى استنهاض الموارد الشعبية غير التقليدية لتدعيم التوازن العسكري المختل ومواجهة العواقب الخطيرة لما بعد فقدان نينوى . وفي هذا المجال جاءت مواقف المرجع الأعلى السيد علي السيستناني لتدفع حملة ” الحشد الوطني ” إلى مداها وتسمح للقيادات العسكرية العراقية بالتقاط أنفاسها بعدما تلاشى زخم الهجوم الداعشي المفترض أن ينتهي ببغداد وكربلاء والنجف المدينتين المقدستين.

وقد أسهمت عناصر اضافية ووقائع حصلت على الأرض في صد هجوم داعش وأنصارها من البعثيين وتجمعات الضباط السابقين المتحالفين مع المنظمات المتطرفة التي بدأت مغامرة نينوى في التاسع والعاشر من الشهر الجاري . وعلمت ” الصباح الجديد ” من مصادر ميدانية وشهود عيان ان انتفاضة سكان المنطقة الغربية الشمالية ضد ممارسات داعش على وجه التحديد أنهت أي امكانية لها بالزحف على بغداد كما كانت تقول وتعلن . واوضحت هذه المصادر ان المجموعات المتحالفة مع داعش وقفت عاجزة عن منعها من اقتراف جرائم كبرى في مناطق محافظة صلاح الدين ولكن تلك الجماعات اكتفت بالوقوف جانباً من دون منعها من مواصلة حملة التصفيات الدموية بحق الضباط والموظفين والسياسيين ومحاولة فرض نظام اجتماعي بالغ التطرف على السكان الذين تحت سيطرتها كما فعلت في الموصل .

وأكدت مصادر عيان ان قرى عديدة صدت داعش في نهاية المطاف واخرجتها من أراضيها مما أعاق أي مسعى لها للتقدم إلى الجنوب . وفي الحساب الأخير فأن العشائر والمواطنين من سكان القرى والأقضية في تكريت وسامراء تسلموا أمنهم بأنفسهم ومن دون أي مساعدة من الدولة أو مؤسساتها . كما انهم حافظوا على حياة مئات العسكريين وبينهم اكثر من 30 ضابطاً كلهم من عرب الجنوب والوسط العراقي وضيفوهم وتولوا حمايتهم حتى يوم أمس . وينتظر سكان مناطق العلم والإسحاقي وغيرهما تسفير هؤلاء الضباط والمراتب بأمان حالما تسنح الفرصة لذلك ومع انتهاء موجة العنف والتوتر . وابلغ أحد وجهاء هذه المناطق تلك المعلومات فيما كان يولم للضباط العراقيين في منزله ومضافة عائلته .

في هذه الأثناء لا تزال المشكلات الحياتية التي يعانيها السكان قائمة ومن دون حل بما في ذلك مصير آلاف العوائل التي حاولت التخلص من حكم داعش واتجهت إلى اراضي محافظة كركوك التي منعت من دخولها على يد قوات البيشمركة الكردية . ووفقاً لمحادثات هاتفية فأن اطفالا ونساء وشيوخ لا يزالوا يبيتون في العراء وعالقين في مناطق السيطرات التي تشرف عليها قوات البيشمركة وانهم في اشد الحاجة إلى الإغاثة والدعم الإنسانيين .

ويبدد البطء الشديد في تقدم القوات الحكومية ومؤسسات الإغاثة الأمل في حل مشكلات السكان الهاربين من حكم داعش جنوب الموصل .

على المستوى السياسي والدولي يبدو ان الأوضاع العراقية توضع تحت مجهر خاص لا يهتم للمساعدات العسكرية العاجلة بالمعدات والطائرات التي يفترض ان تصل لوقف تمدد الهجمات العنيفة على أطراف تلك المناطق في محاولات التحالف الداعشي البعثي لخرق خطوط المقاومة والصد التي بدأت الحكومة ببنائها منذ يومين عبر مركز قيادتها الجديد في سامراء .

وقرأت المصادر الأميركية الملف العراقي ، بما في ذلك التطورات الدراماتيكية في نينوى وجنوبها وبضمنها أحداث الفلوجة والأنبار قبلها ، بأنه جزء من سياق تعاطت معه حكومة الرئيس اوباما بوصفه نتاج تعاملات مرهقة ومتعبة وانشقاقية بين الكتل السياسية ليس لدى واشنطن تحت ادارة الرئيس أوباما رغبة في الإنخراط بها. ويتضمن هذا السياق محاولة دفع الأطراف المتنازعة مع المالكي إلى ايجاد حلول وسط مقبولة وعقلانية لتسوية الخلافات ومد جسور للتفاهم مع ما يمثله ولا سيما بعد حصوله على اعداد كبيرة من مقاعد مجلس النواب المنتظر التصديق عليه خلال اليومين المقبلين . وتخشى واشنطن من ان تؤدي تلبية طلبات الحكومة العراقية بالحصول على طائرات جديدة أميركية كالاباتشي او الطائرات المقاتلة من نوع اف 16، إلى نشر المخاوف لدى خصومها او اعتبار ذلك مؤشراً لميلها الى جانبه .

من هنا يبدو التردد الظاهري لدى واشنطن وما يخلفه من شكوك لدى المالكي او خيبة امل من تعمد عدم تمكينه مواجهة خصومه بأنها ثمن يمكن احتماله وغضب يمكن التعايش معه . بل ان المحللين الأميركان يصفون موقف ادارة أوباما من التمنع في تلبية طلب بغداد بأنه توافق غير معلن مع الكونغرس ضمن دينامية ” تبادل الادوار السلبية والإيجابية ” المفيدة . ويفسرون ذلك على انه قد يساعد على جر حكومة المالكي إلى تبني نموذج اكثر استنارة وعقلانية تجاه المتمردين عليه . ولكن المحللين يشددون على ان تأخير صفقة الأباشي والـ “اف 16″ ربما تنطوي على مبالغة في ” الدور السلبي ” وسيؤدي الى اتباع بغداد سياسات عكسية .

وتسعى واشنطن التي رفضت حتى تأجير بضعة طائرات حتى لبغداد الى تشجيع المسؤولين الروس بالإستجابة لطلبه طائرات “ميغ 35” المحسنة كعنصر تبريد لغضب المالكي من تمنع اوباما.  والادارة الأميركية التي يستولي عليها هوس من الشكوك حول الدور الإيراني تريد ان توحي لمراكز الضغط الأميركية انها انما تقوم بكبح المطامع او سوء الفهم الإيراني لإنتظار تساهلات على طاولة المفاوضات النووية معها.

هذه المقدمات تعتبر احد اسباب انجذاب المالكي الى تطوير الحشد الشعبي لتحوير الصراع الدائر مع الجماعات السنية التي يبدو واضحاً انها اقترفت خطأً كبيراً بإقدامها على مقامرة نينوى . فالنتائج التي انتهت اليها تبدو اليوم وكأنها ورطة وقع فيها ابطالها اكثر من اعتبارها انتصاراً على خصم سياسي يراد الضغط عليه . فالداعشيون يقترفون كل يوم المزيد من الأخطاء ويبدو انموذجهم السياسي والإجتماعي اكثر عسراً على الهضم من قبل بيئة حضرية عراقية في المناطق السنية ووسط مجموعات سكانية ابدت على الدوام ميلاً متزايداً للإستقلال وعدم الرضوخ .

ان الميل الحكومي نحو تعبئة السكان وحشدهم ضد داعش وانصارها وحلفائها يجتذب كل يوم عدداً متزايداً من السكان في المدن والحواضن الحضرية المختلطة وفي ارياف الوسط والجنوب العراق الشيعي. واذا حسبنا العواقب السلبية الناجمة من سياسات داعش وتضييقها على السكان واصدارها فرمانات مثيرة للهلع فسيكون الخيار الحكومي قادراً على دفع قوته التي تبدو بدائية وبسيطة اليوم الى التصلب وتجميع المزيد من الأنصار بين اوساط سكان المناطق الغربية .

واذا ما استمر التدهور والصدام الراهن في السير في نفس الإتجاه فليس في وسع الولايات المتحدة الا التدخل لمنع انزلاق العراق إلى المنحدر الذي أمامه . فشل آخر لواشنطن قد يزعزع مكتسباتها في الأقليم كله .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة